الرهيب ـ تستعدُّ لأنْ تسحقه تحت وطأتها ، وهي ـ سَلفاً ـ تضحك وتهرج المأساة!!!
هذا هو كلُّ ما مَرَّ به تصوُّر الحسين في هذه اللحظة ، التي تمكَّن فيها مُعاوية مِن حذف أخيه الحسن مِن صِفة الوجود! لقد حذفه قبل أنْ يموت ، لقد كان مُعاوية يخاف أنْ تنتقل الخلافة إلى الحسن بعد موته ـ حَسْبما اشترطت مُعاهدة الصلح ـ أمَّا وقد مات الحسن قبله بجُرعة مِن عسل ، فمعناه التحرُّر مِن ميثاق ، وجعل الحُكم ينتقل عاديَّاً بالوراثة إلى ابنه يزيد. أمَّا أنْ يتنكَّر مُعاوية لميثاق قطعه على نفسه ، فمعناه خيانة المواثيق ، وعيب على مُعاوية أنْ يفعل ـ وكان الالتجاء إلى الوسيلة ـ فلدغه بالسَّم ونام قريراً على فراش مِن حرير ، سينام عليه أيضاً يزيده العِربيد! إنَّ أزلام يزيد الآن يطوفون باسمه خليفة على المسلمين ، ويطوِّقون المدينة يثرب ، وهُمْ يُهدِّدون الحسين بالرضوخ والمُبايعة ، ثمناً يشتري به بقاءه حيَّاً ومُتمتِّعا برَغد العيش.
ـ ٢ ـ
لم يُصدِّق الحسين الكلام المَعسول ولا الوعد المنسول ، مِثلما لم يُصدِّقه مِن قبل ، لا أبوه الراقد في النجف الأشرف ، ولا أخوه المُكفَّن بحِضن أُمِّه في البقيع ، بلْ التوى على نفسه الكئيبة يجترُّ وحدته الصامدة في كيانها ، ويزنها بموازينها الصحيحة ، ويجمع لها مِن مواعين روحه وقلبه وفكره ، ما يجعلها موصولة بالخَطِّ الكبير ، الذي رسمه ودفعه إلى النور جَدُّه الذي قهر الموت وتسربل بالخلود ، لأنَّه تمنطق بالحَقِّ وتسدَّد بالرسالة ، فإذا هو حَيٌّ ـ أبداً ـ في القضيَّة التي هي أُمَّة ، يُعزِّزها الاجتماع الإنسانيِّ المُستمر مِن يومٍ إلى يومٍ ، ومِن جيل إلى جيل طالما هو الغارف مِن صدر الحياة مقوُّمات وجوده في الكون.
لم ينقطع الخَطُّ ، بلْ تمتَّن وصله بأبيه الناهج نهج الحَقِّ ، فإذا هو خَطٌّ يخلد ؛ لأنَّه مُركِّز على القيم الإنسانيَّة التي لا يتعزَّز إلاَّ بها وجود مُجتمع الإنسان ، ومحورها