العدل ، والحُرِّيَّة ، والمُساواة. وأساسها ، الحَق ، والصدق والمَثل النزيه ، وكلُّها في الشوق والتَّوق اللذين يبنيان الإنسان. إنَّ عليَّاً الإمام هو ركن مِن هذه الأركان الإنسانيَّة ، التي بني عليها مُجتمع الإسلام. ولهذا فإنَّه المُستقطب دائماً ، إذ تختلُّ الموازين ويهبط مُطلق مُجتمع مِن مُجتمعات الأرض إلى فجوات مِن التردِّي ، سيجد ذلك المُجتمع ـ بالذات ـ أنَّ أسباب الارتجاج فيه عائدة إلى استهانته بهذه القيم الإنسانيَّة أو ببعض منها ، وأنَّ في الرجوع إلى مبادئ عليٍّ ترميماً لكلِّ نقص شوَّش ذلك المُجتمع ، وأبعده عن التركيز الإنساني القويم.
لقد تبيَّن دائماً للحسين أنَّ المبادئ المنهجيَّة التي آمن بها أبوه عليٌّ ، إنَّما هي كلُّها مِن صُلب الرسالة ، التي قدَّمها جَدُّه للمُجتمع السويِّ ، كما تبيَّن له ـ بوضوح لا يقبل الدَّحض ـ أنَّ الأُمَّة بسعتها الأرضيَّة الجغرافيَّة ، كما بسعتها الزمنيَّة التاريخيَّة هي التي تُحقِّق وسعها الإنساني ، الذي استدرج هبوط الرسالة عليه وتقبَّلها فاعلة فيه ليخلد وتخلد فيه. مِن هنا أنَّ جَدَّه العظيم هو الخالد ، وأنَّ أباه الكريم هو الخالد أيضاً ؛ لأنَّ الأُمَّة ـ الرسالة ـ هي التي نبضت بهما ، ولا يُمكن أنْ تفكَّ ارتباطها ، لا بالأرض ولا بالتاريخ ، ولا بالحياة التي تستسيغ التراب وتتجذَّر فيه.
ولقد تبيَّن للحسين أنَّ الخلود هو مُنعة القضايا الكبيرة ، المُقتنَصة مِن جوهر الحياة وتستمرُّ بها ، ولولا ذلك لما كان الإنسان خالداً في إرثه المُجتمعي ، الذي هو قضيَّة الحياة في استمرارها الخالد الرائع ، سبحان الله الذي كرَّم الحياة وخلَّدها في مُجتمع الإنسان! الذي هو صورة الله ورمزه في روعة المِثال. إنَّ الأُمَّة ـ والحالة هذه مِن الاقتناع ـ هي قضيَّة محمد النبويَّة الرساليَّة وهي حقيقة خلوده ، وحقيقة انتصاره في المعركة الإنسانيَّة الدائمة التي هي ـ بحَقٍ ـ صراع الحياة في تحقيق استمراريَّة ذاتها.
وكما أنَّ قضايا عديدة تتفرَّع مِن القضيَّة الأساس ، لتكون لكلِّ واحدة منها قيمة مُماثلة للأصل في الوزن والجوهر ؛ لأنَّ الأصل في تمدُّده ، إنَّما هو فيض ـ لا للتنقيص ـ بل للتكامُل ، هكذا رأى الحسين أنَّ كلَّ نهج أبيه كان فرعاً مِن أصلٍ