وضع البوَّاب أسعد ماثلة الشمع فوق قاعدتها مِن المكان ، وانسحب مُثقلاً بوجفة هَمٍّ على ابن بنت الرسول ، كان يُحاول دائماً أنْ لا يظهر بها أمام السيِّد المهيب. بعد دقيقتين كان الحسين يدعو الوالي إلى الجلوس في صدر الديوان ، وهو يقول :
الحسين : ـ لا أظنُّك جئتني الليلة لتنفيذ الأوامر التي حملها إليك مِن الشام ، ابن أبي زريق رسول يزيد ، ولا أظنُّ مروان بن الحَكم خفَّف مِن تحريضك على تنفيذ الأوامر ، وهو مُستشارك الدائم ، والمُريد الأقوى بالخلافة لابن عَمِّك يزيد ، أمَّا الأوامر فهي في ضرب عُنقي إنْ لم أُبادر إلى المُبايعة ، ولكنِّي ـ رَغماً مِن أنَّ المُبايعة لم تخطر أبداً ببالي ـ أظنُّ أنَّ والي المدينة الوليد بن عُتبة بن أبي سفيان ، لا يقدم على تنفيذ أمر كهذا ، لأنِّي أعرف تمام المعرفة أنَّ في طينته لوناً يجعله يتأثَّم مِن مُنكر لا يجوز ـ أبداً ـ أنْ يرتكبه.
أمَّا الوليد بن عتبة ، فإنَّه لم يتأخَّر ـ أبداً ـ عن الجواب ، الذي فتح الباب وسيعاً لحوار قد اتسم بالصراحة بين الرجلين ، مع الإقرار بأنَّه كان مُتحلِّياً ببعض الصفات التي جعلته ـ فعلاً ـ يتردَّد عن التنفيذ ، مِمَّا أدَّى بالخليفة يزيد إلى أنْ يعزله عن الولاية ـ فيما بعد ـ ويُعيِّن مكانه عمرو بن سعيد بن العاص ، الرجل الأقصى والأدهى في حياكة المؤآمرات :
الوليد : ـ أنا لا أسألك كيف عرفت كلَّ ذلك ؛ فأنت ذو حِصَّة مِن الذكاء ـ وهي واسعة فيك ـ تكشف بها حتَّى المُخبَّآت في الصدور ، أمَّا أنْ أضرب عُنقك ، فهذا أكيد أنَّني لا أُحمِّل نفسي مشقَّة الركوب إلى عمل كهذا ، ولكنَّ الشيمة ذاتها في نفسي ـ وأنت تمتدحني بها ـ لا تبخل عليك بالنُّصح والتلميح إلى أنْ ما أُحجِم أنا عنه لن يكون تأثُّما عند سواي ؛ لهذا جئت الليلة أطلب منك أنْ تَرْبَأ بنفسك وتحملها إلى مُبايعة تقيك مِن