مبادئه في القضيَّة مرهماً لجروح فيها بدأت تنزف ، وهكذا ستجري الأُمور برجوع الأُمَّة إلى أخيه الحسن ، كلما تعرَّضت في أيَّامها الصاعدة إلى فتنة برصاء ، فسَّخ صدرها مِن ضلوعه ، فتلجأ إليه وتأخذ منه مَرهماً يلحم بَوعها برُسْغها ويُنجيها مِن الانفراط.
لقد وصل الحسين إلى ذاته ، وراح يستعرض طول رمحه في المعركة التي يُناجزه ـ الآن ـ فيها رجل اسمه يزيد ، لقد وجد الساحة التي يطلبه إليها المُصارع الآخر أضيق مِن خَربة ساقط سقفها ، يتناحر ضِمن حيطانها ضبَّان مشهوران بذَنَب كثير العُقد ، على أُنثى أبلد ما فيها أنها مِن قبيلة الضبَّان ، إنَّها كرسيُّ الخلافة في الشِّبه الحاضر ، لقد شغفت الأُمَّة بها مُنذ نصف قَرن ، على أنْ لا تتركها إلاَّ وكلُّ إصبعٍ مِن أصابع كفِّها تنشب ظِفراً فيها وتزرع وشمَاً على قوائمها ، إنَّه وشَم القبليَّة التي راحت تتلاعب بالقضيَّة ، كأنَّها الأنقى بين ضبَّين! هل يجوز للأُمَّة المبنيَّة مِن جديد أنْ تتغافل عن اقتناص حَظٍّ مِن حظوظها النادرة ، فتتلهَّى بالقشور عن التلقُّط باللباب ، وهو ليس كرسيَّ خلافةٍ بلْ جوهر خلافة موكولة بالإحاطة به إمامة مُشتقَّة مِن ضلوع الجوهر! ألا بِئْسَت كرسيٌّ يُجرِّدها مِن معناها ضَبٌّ مِن هنا وضَبٌّ مِن هناك ، وكلٌّ منهما دخيل عليها على مرأى الأصيل!!
ولكنَّ انفتاح الحسين على الأُفق الآخر مِن نفسه ، وهو المُطلُّ به الآن على ساحة الصراع الكُبرى ، أوقفته رهيباً في فُسحة المجال ، لتقول له : إنَّها الأُمَّة وكلُّ المجالات منشورة أمامها ، وهي التي يُعلِّمها الحَقُّ كيف تُميِّز بين خَطٍّ وخَطٍّ مِن مَفارق دروبها. لقد قدَّم لها الحَقَّ جَدُّك العظيم وهي تأخذ منه زمام أُمورها ، وقدم لها أبوك صراطاً تسلكه مُستقيماً إلى هذا الحَقِّ تُركِّز به وجودها ، وقدَّم لها أخوك لوناً آخر تُعزِّز به أوصالها في معركته الحياتيَّة ، أمَّا أنت فقدِّم لها ما تراه ضعيفاً في حِزامها ، فتتدارك به سقوطها تحت حوافر الميدان ، واعلم تماماً ـ يا حسين ـ أنَّ معركتك الطويلة ليست ـ أبداً ـ ضِمن حيطان خَربة مِن الخرائب ، بلْ في الميدان الأكبر الذي لا ينتهي فيه الصراع ، بلْ يشتدُّ فيه الصراع في حِضن الحياة الأوسع ، وأنَّه الميدان البِكر الذي