امتصَّ عِرْق جَدِّك وأبيك ، وأُمِّك وأخيك ، فهل تراه بعد الآن لا يُشوِّقه أنْ يمتصَّ دمك!!!
ـ ٦ ـ
لست أظنُّها إلاَّ استحكمت حلقات المُعاناة في نفسيَّة الحسين ، على التحام بكلِّ مُعاناة قاساها جَدُّه الأكبر ، وهو يستجيب إلى كلِّ نداءات الحَقِّ ، ليصوغ منها الملحمة الرائعة التي ألَّف منها حقيقة الصراع في المضمار ، الذي تلجأ إليه كلُّ أُمَّة مِن أُمم الأرض ، مِن أجل استيفاء حقِّها الإنساني في الوجود. إنَّ أُمَّة جَدِّه هي المضمار الأساس في انطلاق المجاهيد ، وتركيزها حاجة لإنسانها النامي ، وسيكون للحسين أنْ يُتابع الخَطَّ في مسيرته المُعيَّنة ؛ ومِن أجل هذه الأُمَّة بالذات ؛ تلبية لكلِّ ما انتدبه جَدُّه للقيام به ، تحضيراً وتتميماً ، وبذلاً موصولاً بالعقل ، والنفس ، والضمير ، تمتصُّه الساحة وهي في مضمار صراعها في التحقيق ، دون أنْ توهى بشُحٍّ ونُضوب ، أيْ : إنَّ المطلوب هو تقديم البَذل مِن المَعدن النفيس المُشتقّ مِن الإيمان والقلب ، والصدق والحُجى. وهي كلُّها ثروات تُعمِّر بها جيوب النفس في الإنسان ، وهي التي تخلد بها إنسانيَّة الإنسان ، وذلك هو التراث الذي تستمرُّ به ـ غنية ـ كل أُمَّة يلفحها مثل هذا الكرم ، مِن مثل هذا المَعدن المِغزار.
لقد أوصلت المُعاناة الحسين إلى إدراك حقيقته الإنسانيَّة العظيمة ، بأنَّها مُشتقَّة مِن الأُمَّة ومُتمادية بها ، وأنَّ الأُمَّة هي يوم حاضر مُعزَّز بطول الأمس ، ليكون لها ـ مِن هذا الأمس ـ وصلةً بالغَد الطويل الأغرِّ ، وأنَّ المُثل الكريمة هي التي وسَّعت عمرها كأُمَّة ، ومتَّنت جذورها في الماضي السحيق ، وأنَّها هي ذاتها المُثل التي تتولَّد مِن شوقها الحيِّ ، تُتابع بها صراعها مِن أجل الوصول إلى كلِّ غَدٍ وسيعٍ فيه عِزُّها وفَخرها ، وكان جَدُّه العظيم كلَّ تفتيشها المُشتاق عن تكثيف هذه المُثل ، والاستنجاد بها في تحقيقها الذاتي ، وهذه هي مادَّة الصراع ، تجده الأُمَّة في البذل النفيس يُقدِّمه لها نبيُّها مِمَّا غرفه مِن مَعدن الحَقِّ.