المُبايعة
حتَّى ولو صحَّ الافتراض بأنَّ يزيد يفوق أباه مُعاوية ، مَقدرةً وحُنكةً ودهاءً ، فلا يُمكن الحسين أنْ يُقدِّم له أيَّ نوعٍ مِن مُبايعة فيها قَبول أو رضوخ ، فمُعاوية ـ بالذات ـ بعد أنْ توصَّل الحسين إلى تعيين ثُقله في الميزان ، وجَدَه لهوَّةً مُحنَّكة بصَواني الدنيا ، لا يهتمُّ بتزيينها وتقديمها على المائدة الكُبرى ، التي تتجمع حولها الأُمَّة تتناول منها ريَّها وشِبعها ، بلْ يحصر هَمَّه في جعلها حكراً في مقاصيره ، يسكر منها مجداً ، وسؤدداً ، وتلاعباً بمُقدَّرات الناس ، ويبذل قُصارى جُهده في تسييجها بالظلم المُتداهي ، والاستبداد المُتباهي ، حتَّى تبقى له في المُلكيَّة التي تتعبَّأ بالجَور والاستبداد ، مِن هنا كان الفِسق عند يزيد لوناً له في الإرث عن أبيه ، وتلويناً له في التصنيف المُمتاز وهو يتلهَّى بالبيزان والفهود ، وترقيص القرود على أوتار العود ، والتفنُّن بكلِّ أنواع المِجون ، ليكون له ـ بالتالي ـ تفنُّن قِرَديٍّ وفَهديٍّ الأظافر ، يأمر بإنشابها في عُنق مَن لا يبايعه على كرسيِّ الحُكم.
ليس الحسين الآن ـ وهو الغارق في نفسيَّة مُتملِّية مِن مُعاناتها الناضجة بالفَهم والعمق ورَوز الحقائق ـ إلاَّ الرافض كلَّ أنواع المُبايعات ـ أكان المُبايَع له يزيد الفاسق ، أم أبوه مُعاوية المُحنَّك بحلاوة المُلك. إنَّ الحسين الآن هو المُنتفض على كلِّ الخَطِّ الذي رسمه عمر بن الخطاب ، لأنَّه الخطَّ الذي لعب فيه ـ على هواه ـ لعباً زريَّاً بمصلحة الأُمَّة ، ورماها في فوهة المجهول. صحيح أنَّ الحسين تحوَّل ـ في فهمه وإدراكه ـ إلى اعتبار كلِّ خطأ طريقاً إلى صواب ، أو بالأحرى إلى تصويب ، ولكنَّ ذلك لا يعني أنْ يَحترم الخطأ ، ويلثم يده البيضاء ، لهذا فإنَّه الآن لا يقدر أنْ يغفر لابن الخطَّاب خُطوةً زلَّ بها عن حقيقة النهج ، ولا يقدر ـ في