روعة التصميم
كأنِّي ـ وأنا في غُمرة مِن الاستغراق مع الحسين ـ استمع إلى حديثٍ قد دار بينه وبين أخيه محمد بن الحنفيَّة ، بعد شهرين أو ثلاثة مِن خروج الحسين مِن المدينة إلى مَكَّة ـ لستُ أكيداً مِن ضبط الوقت ـ كنتُ أتحسَّس الحسين رزيناً ، يتنقَّل بخُطوات ثابتة في صحن الغرفة ، التي جعلها ديواناً خاصاً لاستقبال الأخصَّاء مِن الوافدين عليه ؛ للتشاور والتداول في الأُمور المُرتبطة بالأحداث ، وكلُّها جديد مُتعلِّق به وبالخلافة التي كان يحلم بها أيضاً عبد الله بن الزبير المُلتجئ مثله إلى مَكَّة ، هرباً مِن الضغوط التي كان يفرضها يزيد ـ خليفة مُعاوية ـ ، وهو فوق أرض الشام. لقد كان يزيد سيِّد الموقف بالنسبة للقوَّة التي خَصَّه بها الخَطُّ السياسي الأُموي ، المُحرز ـ حتَّى الآن ـ نصراً فائقاً فوق الساحة.
مِن الطريف أنَّ هوىً حلواً ربطني ببوَّاب الحسين ـ أسعد الهجري ـ مُنذ تلك الليلة ، التي تمَّت فيها المُقابلة بين الحسين ووالي المدينة الوليد بن عتبة ، وها أنا أهفو إلى هذا الصديق ، كأنِّي في رابطة وثقى معه مُنذ أكثر مِن وقت معهود ، وأنا أراه يفتح الباب على الحسين بدون أيَّة دالة مِن استئذان وهو يقول :
أسعد : ـ أخوك محمد ـ يا سيدي ـ سأُدخله عليك ، ولكنِّي أحببت أنْ أُطمئِنَ بالك أوَّلاً ، إلى أنَّ العبدين ـ عبد الله بن مسمع الهمذاني وعبد الله بن وال ـ قد أمنت وصولهما إلى الخَطِّ صوب الكوفة ، فاستلما الطريق وذهبا بأمان.
الحسين : ـ إنِّي واثق مِن عزمك وحُرصك يا أسعد ، ولكنِّي الآن انتدبك إلى كثير مِن مُتابعة اليقظة والحَيطة ، فالأيَّام صعبة يا صديقي ، وإنَّنا مُقدمون على سفر صعب ، بين ليلة وليلة نرحل ، إنَّ