الأحداث التي مرَّت علينا ، ولقد توصلت على ضوء ما تكشَّف لي ، أو بالأحرى ، على ضوء ما وهبني جَدِّي مِن عزم كشَّاف عن عُمق الحقائق ، إلى الإدراك أنَّ الأُمَّة كلَّها هي خزانة العزم ، وخزانة الإدراك ، وأنَّه علينا أنْ نُنبِّه فيها طاقات الروح والوعي والإدراك ، حتَّى تأخذ هي ـ مِن تنبُّهها ـ ما تحتاجه وهي تمشي دروبها الصاعدة ، ولقد توصَّلت إلى نوع مِن الشفقة على كلِّ الذين راحوا يتسلَّمون أزمَّة أمرها ، فرأيتهم مأخوذين بكلِّ خديعة ضلَّلتهم الدنيا بها عن ربط أُمور الأُمَّة بسياساتها السليمة ، وما كان ذلك خطأهم وحدهم في خِفَّة رُشدهم ، أكثر مِمَّا كان في عدم قابليَّة الأُمَّة على الأخذ سدَّاً لحاجاتها ؛ لأنَّ القيِّمين لم يتمكَّنوا مِن تنشيط قُدراتها ، وتنبيه طاقاتها ؛ لأنَّهم القيِّمون المُتطفِّلون.
مِن هنا أنَّ الشفقة التي تولَّدت فيَّ ، جعلتني أتجاوز كلَّ هؤلاء الذين أبعدونا عن حقيقة الحُكم ، وحقيقة التعهُّد الموكول إلينا القيام به ، عن طريق الإمامة المرسومة في ذهن جَدِّي ، إلى اعتبارهم مرُّوا مروراً خفيفاً على الساحة ، التي ما قصدوا إلاَّ أنْ يلعبوا فيها ، وقصدت أنْ أُبرئ عيني وبالي منهم ، وأنْ أُقدِّم للأُمَّة ما أراها بحاجة إليه حتَّى تُعزِّز خطواتها مِن مسيرة اليوم إلى مسيرة الغد ، أمَّا الحاجة التي رأيتها الآن ماسَّة في حياة الأُمَّة ووجودها الكبير ، والتي لا يُمكنها أنْ تعيش إلاَّ بها ، فهي أنْ تكتشف دائماً وأبداً ما هو مزروع في روعة طويَّتها ، مِن إباء يتدرَّج نوعه مِن سُلَّم إلى سُلَّم ، حتَّى يتَّصف أخيراً بذلك الذي يُسمَّى عنفواناً تتسلَّح به العواصف والأعاصير ، كأنَّه وحده هو الثورة التي لا تقبل الذِّلَّ إلاَّ لتُبيده مِن أمامها ، ولتمحو اسمه مِن حقيقة الإنسان ، لقد تثبَّت لي أنَّ المُجتمع الذي