الأساس
لا يُمكن أنْ يكون للقضيَّة غير هذا الأساس ، لقد كانت القضيَّة مُطلقة مرماها وجوهرها ، فهي ما تناولت تنظيماً عاديَّاً مِن شؤون الهندسة ، كإنشاء بيت ، أو إنشاء قصر ، ينزل في الوحدة الصغيرة عائلة مسكينة ، وفي الوحدة الأُخرى أمير له ثَراء وجاه سلطان ، إنَّما تناولت شأناً حياتيَّاً آخر ، له مِن الحقيقة والشمول ، تصميم وتركيز في عمليَّة بناء الفرد بناءً إنسانيَّاً ، مُجتمعيَّاً ، تتحقَّق به الغايات الشريفة في الحياة ، فلا بيت ينشأ والقضيَّة هذه هي المطروحة فوق البساط ، ولا قصر ينشأ أيضاً ، وتكون لهما حقيقة الثبات ، ما لم تحفر أساسيهما عناية القضيَّة الكبيرة ، التي تُركِّز نظرة الإنسان على الحقيقة الصادقة فيه ، فيبني مُجتمعاً صادقاً يصون فعاليَّاته الفرديَّة الإنسانيَّة المُتحوِّلة ـ حتماً ـ إلى مُجتمع سليم منيع ، وعندئذ يكون له البيت ، والقصر ، والمُتعة بالعمران. إنَّ الأُمَّة الصادقة ، هي الأُمَّة المنيعة ، لا يدعمها في مناعتها إلا الحقُّ ، والصواب ، نظافة العقل ، والروح ، وهي كلُّها ـ في العدل والمُساواة ـ وحدة عظيمة يجدها الإنسان في ضلوع المُجتمع.
تلك هي القضيَّة ، إنَّها حشو الأساس ، وإنَّها هي البيت الذي سكن فيه باعث الرسالة ، وإنَّها هي الأساس الذي تقوم عليه جدران هذا البيت الذي هو ـ بكلِّ مُحيطه ـ بيت الأُمَّة في حقيقة الرمز.
أيكون أهل هذا البيت ملموحين حِجارة في الأساس؟ إنَّ للمنطق إصبعاً تستقيم بها الإشارة ، وإنَّ للقضيَّة تعييناً تتوضَّح دلالته إلى المقلع المرصوص بصلابة الصوان ، وإنَّ للحقيقة عيناً لم يدعَج بها إلاَّ عليُّ بن أبي طالب ، وهي ترنو إليه بأنَّه مِن المقلع المُمتاز ، الذي يصحُّ به رصف الأساس.