أين هو الحسين (ع)
ـ ١ ـ
إنَّه الآن هنا ثمَّ هناك ، لا يستقرُّ له مقام ، فبينا تراه قابعاً وحده في زاوية البيت ، كأنَّه في إغفاءة التفكير ، إذا به ، بعد لحظات قاسيات ، يقيس الطريق بخُطواته التائهة ، بين ساحة البيت وباحة المسجد.
لقد فهم بعُمق أنَّ حقيقة رهيبة اسمها الموت ، قد تناولت جَدَّه الحبيب ، ولفَّته إليها ، كأنَّها الزوبعة الرهيبة الهابطة مِن غياهب الغيب! أين هو جَدُّه الآن؟ وقد سحبته العاصفة مِن منبر المسجد؟ أتراه قد أصبح في البُعد البعيد ، أم أنَّه لا يزال حيَّاً في عذوبة الصدى ، كما تحيا شجرة الأراك في ظلِّها الناعم؟
ويرتاح الفتى ، وهو مأخوذ بعفويَّة التصوُّر ، يدخل المسجد الخالي مِن جَدِّه ، ومِن المُقرفصين المُصغين ... ويعتلي المنبر يُفتِّش عن المنكبين الرازحين تحت رأس الدلال!!!
ولكنَّه لا يجد المنكبين ، ولا الرأس تحت ملمس الكفَّين ، مع أنَّه راح يَسمع الجُدران الشبعانة مِن حفيف الصدى وهي تُردِّد : هذا ابني مِن عليٍّ وفاطمة ، إنَّه وأخوه عُقدة البيت ، وإنَّهما سيِّدان مِن أسياد الجَنَّة ، وإنَّهما يردان عليَّ الحوض ، وإنَّهما إمامان قاما أو قعدا ..
هنا دائماً سنجد الحسين في المسجد ، وفي زاوية البيت حِضنه الأوَّل والأحَبُّ والمُخمس الأحضان ، إنَّه ضمن حيطان المسجد ، يُلملم ، مِمَّا عُلِّق عليها مِن نبرات جَدّهِ ، كلَّ الخيوط التي سينسج منها جُبَّته وقُمصانه.