ـ ٦ ـ
وأيضا ـ فيما بعد تماماً بعد انقضاء ثلاث سنين ـ سيجد الحسين ، أنَّ اليد التي قطعت مِن ساحة البيت شجرة الأراك ، هي ذاتها التي عطَّلت فعل الإمامة ، ومسختها إلى خلافة مُزوَّرة الإرادة ومجنونة اليقين ، وها هي الآن إمارة الحكم تنتقل ـ باسم الرسالة ـ مِن أبي بكر إلى عمر بن الخطاب ، دون أن يكون للذمَّة أيُّ وفاء في تعديل الأُمور وتخليصها مِن زَيغها ، وإرجاع الحَقَّ إلى نصابه.
لقد شرح الإمام علي ـ في تلك الليلة ـ أمام الحسن والحسين ، كيفية انتهاء ولاية أبي بكر مع انتهاء أيَّام عمره فوق الأرض ، وكيف أنَّه تَسلَّم الخلافة بموأزرةٍ مِن عمر ، وكيف أنَّه قبل أن يموت ـ وقد شعر بقُرب الأجل ـ رَدَّ إلى عمر الخلافة ، وذلك كان جميلاً مردوداً بجميلٍ ، هو تماماً مثله ومِن نوعه.
إنَّ الحقيقة التي لمحها عليٌّ ـ بعد أنْ استخلصها مِن واقع البيئة وواقع الأمراض النفسيَّة التي كان يُعاني منها مُجتمع الجزيرة في ذلك العصر ـ كانت محصورة بواقع القبليَّة في تسابق كلِّ قبيلة إلى الحصول على المَغنم ، إنَّ في المَغنم هذا تحقيقاً معيشيَّاً يؤمِّن القوَّة والنفوذ ، على حساب مُطلق قبيلة أُخرى يجب جعلها ـ ما أمكن ـ أضعف مِن أنْ تنزل إلى ساحة سباق وزحام ، لقد كان تحقيق الرسالة في المُجتمع الجديد عكساً بعكس ، وعلى طرفي نقيض ، هنالك نظام قبلي يُفرِّط المُجتمع ويوزِّعه على عدد القبائل ، بعد أنْ يُسلِّم السلطة لشيخ ، ويلغي قيمة الفرد ، وهنا نظام يعتبر المُجتمع كلَّه وحدة شاملة ومُتكاملة بكلِّ فردٍ فيه ، أمَّا الجَني فهو الموزَّع بالعدل والمُساواة ، شرط أنْ يكون نتيجة عمل صادق وطاهر ، أمَّا الذي يُحرَم ، فهو الكسول الكذوب ، أمَّا الإمامة العظيمة بشرفها ، ونظافتها ، واستقامتها ، وعلمها البصير ، فهي التي تسوس بالعدل والقسطاس ، وهي التي تُفجِّر الخير مِن موارده الصادقة ، وهي التي تحكم بظلٍّ مِن الله الذي هو حَقٌّ ، وعدل ، وعلم ، وجمال. ويُتابع علي الشرح : هذا هو مُختصر نظامهم ، وهذا هو مُختصر نظامنا ، ولقد طبَّقوه على الأرض مُنذ الآف السنين ، فكانت النتيجة ألف قبيلة بألف مُجتمع فوق أرض