إنَّه هنا الحسين (ع)
نحن ما ضيعَّنا الحسين حتَّى نُفتِّش عنه ، لقد عرفنا مُنذ الوَهلة الأُولى أنَّه دائما في المسجد ، حيث الرسالة التي هي صوت جَدِّه ، وضمير القضيَّة في وحدة الأُمَّة ، ولكنَّنا رحنا نُفتِّش عن الأزاميل التي نحتته وصاغت منه بطلاً ما نسجت مثله أنوال الملاحم ، لقد خضنا البحث وعنوانه : (أين هو الحسين؟) بثلاثة عشر مقطعاً ، وهي كلُّها ـ في مُحتواها ـ هذه الأزاميل التي تكشف لنا الآن الردهات التي يطلُّ منها الحسين.
مُنذ الطفولة وأحضان منسولة مِن الحُلم ، والرمز ، وضمير القصد ، تدغدغ الحسين وتتدغدغ به ، كأنَّه حِضن الحُلم ، والرمز ، والقصد ، لدغدغة أُخرى تهجُّ في ضميرها ديمومة تتلقَّط بها إمامة ، ما كان الحسين الطفل إلاَّ ويشعر بها وهو يحتويها ، وما كان ينمو ويتنامى إلاَّ بها ، أكان في حِضن أُمِّه وهو يمتصُّ ثديها ويشعر أنَّها ـ بكامل ما فيها مِن دمٍ ولحمٍ وعطرٍ ـ نعيم لا يجفُّ لها عطفٌ ، ولاحُبٌّ ، ولا شوقٌ ، ولا جمال ، أم كان في حِضن أبيه الذي يشيع عليه مَهابة لا تتسربل بمثلها إلاَّ مداميك القلاع أو أبراج الحصون ، أمَّا جَدُّه المُتمنطق بآيات الجلال ، فإنَّه كان يمرح فوق منكبيه وهو يشعر كأنَّ النجوم تتساقط مِن أبراجها إلى عِبِّه ، وما أنْ ينزل عن المنكبين إلى الأرض حتَّى يركض كالولهان إلى حِضن أخيه الحسن ، ليُفرغ مِن عِبّه إلى عِبِّه الآخر ، كلَّ ما جناه مِن سلال جَدِّه المليئة بالعَطف ، والرغد ، والزُّهد المُجمَّع عن شاطئ الكوثر.
مِن يوم إلى يوم كان يعقد الزهر في روض الحسين ويُثمر ، ومِن عهدٍ إلى عهدٍ كانت تنجلي أمام عينيه ملامح الرؤى ، وما تتغلَّف بها الضمائر ، وكانت الأحداث