والحاجة قد أُشبعت ، أو أنْ يكون كلاهما قد زادا عُنفاً في تورُّطهما عليه ، فقفزا به : إمَّا إلى خُنوع واستسلام ، وإمَّا إلى ثورةٍ ما ، عُبِّر عنها بطريقة ما.
هذا هو الغرض الآن مِن خدمة الموضوع هذا ، حتَّى يتبيَّن لنا أنَّ الحسين الذي هو موضوعنا الجليل في هذا الكتاب ، قد اشتغلت بصياغته عظيماً هذه المُعاناة التي تبنَّاها وتبنَّته مُنذ الطفولة ، وراحت تتجسَّد وتتجسَّم فيه عِبر مراحل الفتوَّة والرُّشد ، وعِبر بلوغه مرحلة سديدة مِن مراحل التعمق الفِكري ـ النفسي ـ الروحي التي زجَّته فيها ظروف قاهرة ، ما انفكَّت تُعمِّق بصماتها عليه ، حتَّى فجرتها فيه ثورة هادفة مُركَّزة ، ما ارتضت مِن التحقيق إلاَّ بذل الذات في سبيل إشباع المُعاناة ، التي أصبحت لا ترضى إلاَّ ببذل الذات إشباعاً للذات الأُخرى التي هي إطار أكبر ، تنطوي فيه ذاته ـ هو ـ ملصوقة بذات أبيه ، وأُمِّه ، وأخيه ، وجَدِّه وكلِّ خَطِّ أجداده الصيَّد ، في مُجتمع واحد هو إطار الأُمَّة ، التي هي أُمَّة جَدِّه التي بناها بقضيَّة واحدة مختومة بالرسالة. فلنتبصَّر الأُمور هذه كلَّها في خَطِّ المُعاناة ، ولنعمد إلى تبويبها هكذا :
١ ـ خَطُّ الطفولة :
ولقد كانت للطفولة على الحسين خيوط لذيذة مِن المُعاناة ، حوَّشت منها نفسه كلَّ البطانات التي راحت تتلوَّن بها أيَّامه الطالعة. ما مِن لَمسة غَنج تدلَّع بها في مُحيطه البيتي المُشبع بالحُبِّ والحنان ، وكلُّ أساريره الهانئة بغِبطتها ، لقد مَرَّ بنا كلُّ ذلك ونحن نستعرضها في كلِّ ما تخصَّص لها مِن مُناسبة وحين ، لقد كان لكلِّ هاتيك البَهجات تأثير وسَّع نفسه المُعانية على فَهم كان يزداد بها ، وهي تتحوَّل فيه إلى مُعاناة أُخرى كان يولِّدها ازدياد الفَهم مع وضوح التحليل والتعليل.
كان الطفل الحسين ـ وأظنُّه كان في الخامسة مِن العُمر أو ما يزيد قليلاً ـ يلعب في باحة الدار في ظِلِّ شجرة الأراك ، مع صبيٍّ آخر مِن صِبْية الحيِّ ، قال