توطئة :
ولا تزال الدعوة مرصوصة بجلالها يا شقَّ القلم ، لقد وجَّهتْ إليك بالأمس تُناديك إلى ولوج دائرة مقطوبة بالإمام علي ـ فولجتَ الدائرة مزوَّداً بحبر مقطور مِن المُقلة المُشتعلة بنهج البلاغة ، ثمَّ تتالى إليكَ النداء مربوطاً بمِنديلٍ كانت تعتصب به فاطمة الزهراء ، فعصرتَ منه زيتاً لسراجك تكحَّلتْ به شعاعاً مشيتَ به معها مِن فَدك إلى باحة المسجد ، ثمَّ جاءك الأمس الأقرب بنداء يشدُّك إلى الإمام الحسن ، فسهرتَ معه ليلاً طويلاً أشرق صُبحه على رباط أبيض ، وصل العراق ، بالشام ، بارض الجزيرة الأُمُّ ، في حضن الرسالة التي لا تزال تعتصم بها وحدة الإسلام.
واليوم ، يا شقَّ القلم ، تأتيك دعوة جديدة أشعر أنَّها ـ كمثيلاتها السابقات ـ مغمورة بجلالها ، فهلاَّ يكون لك اهتزاز إليها يُلبِّي وجبة النداء؟
ولكنَّ القلم الذي كان نائماً قُرب المحبرة ، ما ارتعش إلاَّ قليلاً وعاد إلى غلاف السكون ، كأنَّه التعب الراجع مِن جهادٍ ، فتناولته بين أنمُلتي ، وطُبعت على ثغره قُبلة فيها نشوة ، وفيها وفاء ، وفيها مَدد مِن عافية ، ورحت إلى بعضٍ مِن الأطناب أموِّهه بشيءٍ مِن الثناء ، حتَّى استدرجه إلى استعادة وعيه ، واستيعاب ما أنا استحثُّه إليه.
قلتُ له : إنَّني أعرف يا رفيقي ، وصديقي ، ونديمي الأجلّ ، كم أجورُ عليك ، وأُحمِّلك الأحمال الثقيلة ، وما ذلك إلاَّ لأنِّي أُدرك أنَّ فيك شوقاً يدفعك لاقتحام الحَلبات ـ صحيح أنَّ الكلمة هي عدتك في كلِّ واحدة مِن الغَمرات ، إلاَّ أنَّك تعرف مِن أين تقتنصها وكيف تُلبسها بَهجة الحرف ، وبهجة الزَّيِّ ، وبهجة اللون ـ فأنت فنَّان يا قلمي الحبيب ، وأنت غوَّاص في البحور التي تَغزر في قيعانها منابت الدُّرر ؛ وأنت مُراقب ماهرٌ ، تقتفي أثر الخُطوات الكبيرة ، وتأخذ لك مِن وقعها فوق