لم تختتم ـ بانتقال أُمِّه إلى حِضن أبيها ـ طفولة الحسين ، ولكنَّها وسَّعت انتقاله إلى الرُّشد الباكر والمُطَّلع على واقع الأُمور ومزاجها الملفوف بالرموز ، لقد راحت تتطوَّر المُعاناة في حياكة نفسه على ضوء ما كان يُفسِّره له فهمه النبيه وإدراكه المُتوسَّع ، إلاَّ أنَّ موت أبي بكر هو الذي كان خاتمة طفولته ، التي شاهدت انتقال الولاية إلى عمر بن الخطَّاب.
٢ ـ عهد ابن الخطَّاب :
بانتقال الخلافة ـ وهي الآن بمفهوم الحسين ـ أُبوَّة يتناولها كلُّ واحد بالدور عن جَدِّه الذي كان أبا الجميع ، والتي هي ـ بقناعته الراسخة ـ مِن حَقِّ أبيه علي ، ولا تنتقل إلاَّ عنه إلى مَن هو في الخَطِّ الذي رسمته أُبوَّة جَدِّه الشاملة. أجلْ ، بانتقال الخلافة هذه المَقلوبة عن أُبوَّة صحيحة المقصد والمعنى ، إلى عمر بن الخطاب لم تتوسَّع ذهنية الحسين ، بلْ تعمَّقت فيها المُعاناة ، وهي تُفسِّر ذاتها في شعوره وتأمُّله الصامتين ، لقد كان يُراقب مُعاناة أبيه ، وهو صامت صابر ، وراح يصمت مثله ويصبر ، أمَّا حواره الأخير مع أبيه حول انتقال الأُبوَّة إلى أبي بكر ، فإنَّه فَهم منه أنَّ النخوة القبليَّة ، لا الوصيَّة النبويَّة ، هي التي جرَّدت أباه مِن أُبوّة كبيرة خَصَّه بها جَدُّه لضمِّ المُجتمع كلِّه إلى صدره الكبير ، ولقد فهم أنَّ الإجحاف طال أباه على يدي أبي بكر ، وها إنَّه لا يزال مُتمادياً على أقسى وأدهى مع هذا المدعوِّ عمر بن الخطاب!!!
كان عمر الحسين ـ عند انتقال الدور إلى ابن الخطاب ـ يدور حول عشر مِن السنين ، ولكنَّ الجوَّ الذي رَبِيَ فيه ، والأحداث القاسية التي ذرَّت غُبارها في هذا الجوِّ ، فهزَّته في صميمه ، وجعلت السنوات القاصرة في عمر الحسين ، واسعة الفَهم ، نبيهة الذهن ، وواسعة النفس تحت مُعاناة عميقة التفتُّح ، وحاضرة التأثَّر ، وشديدة التفتيش عن ماهيَّة الأحداث وارتباطاتها بموحياتها. بالأمس كانت له أربعة أحضان يتبرَّع كلُّ حِضن منها بتوسيع الحُبِّ والدلال عليه ، أمَّا الآن ، وقد