وصفها له أبوه بالأمس : بأنَّها أخطر ما تتلامس بها أصابع الأبالسة وألسنة الشياطين؟!!!
ما كانت قد اكتملت بعد رجولة الحسين ، عندما كان يُعاني ثِقلاً ما عانى بعد مِن نوعه حتَّى هذه اللحظة مِن عمره ، عندما اشتعلت ثروة صغيرة حطَّمت الكرسيَّ على رأس عثمان ، ونبَّهت في بال الأُمَّة عِرقاً صغيراً مِن الوعي والرفض ، وراحت تبحث عمَّن يُنقذها مِن التشرُّد الجديد ، وما كادت تتلقَّط بذيل عليٍّ حتَّى أمسكت به وجرَّته جرَّاً إلى الكرسيِّ الذي تهرَّأت قوائمه بسُوسٍ أصبحت بؤرته واسعة في أرض الشام.
ولكنَّ مُعاناة الحسين هي التي تتلقَّط أيضاً بخيط جديد سيمدُّها بالانتعاش ـ ولو إلى عِدَّة لحظات ـ إنَّ الله مع الصابرين المؤمنين.
٤ ـ عَهد الإمام :
ما خفَّت لوعة الحسين مع وصول أبيه إلى كرسيِّ الخلافة ، ولكنَّها تحوَّلت فيه إلى غِبطة داخليَّة ، لم يجد لها في نفسه إلاَّ التفسير اللذيذ ، وإنْ تكن غبطة مُتولِّدة مِن هلع ، وهل للهلع في النفس أنْ يغزل قميصاً مِن طمأنينة؟! لقد تمثَّل له أنَّ جَدَّه الآن يُغمض عينيه في الإغفاءة القريرة ، وها هي رغبتة الكبيرة يُحقِّقها التنفيذ ولمَّا ينقل بعد جُثمانه الطاهر إلى مَقرِّه المُشبَّع بنور منه ... إنَّ أباه بالذات ـ بعد أنْ يحمله بذِراعيه ويُكفِّنه بمثواه ـ سيتوجه توَّاً إلى الكرسيِّ المُعدِّ له ، فيجلس ويُتابع تسيير الشؤون الكبيرة ، مِن دون أنْ ينقطع خيط واحد لا مِن سُداها ولا مِن لُحمتها .. هنيئا للأُمَّة العظيمة! لا يتركها مؤلِّفها وراعيها لحَظةً واحدةً ، لا في العَراء الفاتر ، ولا في هَدأة السكون ، بلْ في العُهَدة المُستمرَّة ، تُغذِّيها لواعج النفس المُطهَّرة تطهيراً ، ويتدبَّرها الإعداد الموزون بالرسالة التي هي حدود الله في الإنسان ، وتحديد الأُمَّة بالإنسان.