وما هو؟ فقالت : أشهد أنك من المؤمنات الغافلات ، ثم أخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا على مرضي ، ثم دخل علي رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقال : «كيف تيكم؟» فقلت له : ائذن لي أن آتي أبوي ، فأذن لي فأتيت أبوي فقلت لأمي : يا أماه ماذا يتحدث الناس؟ فقالت : يا بنية هوني عليك فو الله ما كانت امرأة وصيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، ثم قالت : ألم تكوني علمت ما قيل فيك حتى الآن ، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت ، فدخل علي أبي وأنا أبكي فقال لأمي : ما يبكيها قالت : لم تكن علمت ما قيل فيها حتى الآن. فأقبل يبكي ، ثم قال : اسكتي يا بنية فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي ، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ دخل علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسلم ، ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل فيّ ما قيل ، ثم قال : «أما بعد ، يا عائشة بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت برئية فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه». قالت : فلما قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقالته فاض دمعي ، ثم قلت لأبي أجب عني رسول الله. فقال : والله ما أدري ما أقول ، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله فقالت : والله ما أدري ما أقول فقلت والله لقد علمت أنكم قد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم : إني بريئة لا تصدقوني ، وإن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة منه لتصدقوني ، والله لا أجد لي ولكم مثلا إلّا ما قال العبد الصالح أبو يوسف ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، ثم تحولت واضطجعت على فراشي ، والله أنا أعلم أن الله يبرئني ، وكنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرئني الله بها. قالت : فو الله ما قام رسول الله من مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله الوحي على نبيه ، فو الله ما سرى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى ظننت أن نفس أبوي ستخرجان فرقا من أن يأتي الله بتحقيق ما قال الناس. فلما سرى عنه وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها ، أن قال : «أبشري يا عائشة قد برأك الله» (١) فقلت بحمد الله لا بحمدك ، ولا بحمد أصحابك. فقالت : أمي قومي إليه. فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد أحدا إلا الله الذي أنزل براءتي قالت : ولما نزل عذري قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن ، فلما نزل ضرب الحد على عبد الله بن أبي ومسطح ، وحمنة ، وحسان (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) أي على كل امرئ من أولئك العصبة (مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) أي جزاؤه فقدر العقاب يكون مثل قدر الخوض في الإثم ، وصار حسان أعمى أشل اليدين في آخر عمره ، ومسطح بن أثاثة وابن خالة أبي بكر الصديق ، مكفوف البصر وجلدت معهما امرأة من قريش (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ) أي الذي تحمل أكثر الإفك من
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب النكاح ، باب : فيما يؤمر به من غضّ البصرة وأحمد في (م ٥ / ص ٣٥٣ ، ٣٥٧).