وهذا لندب الكتابة وليس لشرط الصحة. (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) أي حطوا أيها السادة عن المكاتبين جزءا من مال الكتابة ، أو ادفعوا إليهم جزءا مما أخذ منهم. وذلك للندب عند مالك وأبي حنيفة ، وللوجوب عند الشافعي. وقيل : هو أمر بإعطاء سهمهم من الزكوات ، فالأمر للوجوب حتما. وقيل : هو أمر ندب لعامة المسلمين بإعانة المكاتبين بالتصدق عليهم.
وروي أن غلاما لحويطب بن عبد العزى يقال له : صبيح سأله أن يكاتبه فأبى عليه ، فنزلت هذه الآية فكاتبه على مائة دينار ووهب له منها عشرين دينارا (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) أي ولا تجبروا إماءكم على الزنا (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) أي تعففا عن الزنا ، فالتقييد بهذا الشرط لأجل تحقق الإكراه المنهي عنه ، لأنه لا يتحقق إلا عند إرادة التحصن. أما عند ميلهن للزنا فهو باختيارهن فلا يتصور الإكراه حينئذ. وفائدة الشرط بالمبالغة في النهي عن الإكراه أي إنهن إن أردن العفة فالسيد أحق بإرادتها وفي ذلك إشارة على أن السادة إكراههن على النكاح فليس للأمة أن تمتنع على السيد إذا زوجها (لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي لتطلبوا بالإكراه الأمول بكسبهن وأولادهن (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَ) على الزنا (فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٣) لهن لأنهن آثمات لأن الزنا لا يباح بإكراه.
روي أنه كان لعبد الله بن أبيّ رئيس المنافقين ست جوار معاذة ، ومسيكة ، وأميمة وعمرة ، وأروى ، وقتيلة يكرههن على البغاء وضرب عليهن ضرائب ، فشكت ثنتان منهن إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية وقيل : إن عبد بن أبي أسر رجلا فراود الأسير جارية عبد الله وكانت الجارية مسلمة ، فامتنعت لإسلامها وأكرهها ابن أبي على ذلك رجاء أن تحمل من الأسير فيطلب فداء ولده فنزلت هذه الآية : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ).
قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي بكسر الياء أي مبينات لكل ما بكم حاجة إلى بيانه من الحدود ، وسائر الأحكام والآداب وغير ذلك. والباقون بفتحها ، أي موضحات في هذه السورة من معاني الأحكام والحدود (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) أي وأنزلنا مثلا كائنا من نوع أمثال الذين مضوا من قبلكم من القصص العجيبة ، والأمثال المضروبة لهم في الكتب السابقة ، والكلمة الجارية على ألسنة الأنبياء عليهمالسلام ، فتنتظم قصة عائشة لقصة يوسف وقصة مريم ، وسائر الأمثال الواردة في السورة الكريمة انتظاما واضحا ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة : برأ يوسف بلسان الشاهد ، وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه ، وبرأ مريم بإنطاق ولدها ، وبرأ عائشة بتلك الآيات العظام. (وَمَوْعِظَةً) تنزجرون عما لا ينبغي من المحرمات والمكروهات ، وسائر ما يخل بمحاسن الآداب (لِلْمُتَّقِينَ) (٣٤). وهذا حث للمخاطبين على الاغتنام بالانتظام في سلك المتقين ببيان أنهم المغتنمون لآثار الموعظة ، المقتبسون من أنوارها ، ثم ذكر الله تعالى مثلين :