أقوى صناعة ، لأن الأولى جعل الأعرف الاسم و «أن يقولوا» أوغل في التعريف ، لأن الفعل المبتدأ بأن لا سبيل إليه للتنكير بخلاف «قول المؤمنين» ، فإنه يجوز تنكيره بعزل الإضافة عنه. والمعنى : إنما كان قول المؤمنين المخلصين عند الدعوة خصوصية قولهم المحكي عنهم.
وقرأ الحسن «قول المؤمنين» بالرفع على العكس. وهذا أفيد بحسب المعنى ، لأن مصب الفائدة هو الخبر ، فالأحق بالخبرية ما هو أكثر فائدة وأظهر دلالة على الحديث. والمعنى : إنما كان مطلق القول الصادر عن المؤمنين خصوصية هذا القول المحكي عنهم لا قولا آخر أصلا وهذا تعليم أدب الشرع بمعنى : أن ما يجب أن يسلك المؤمنون هكذا ، (وَأُولئِكَ) المؤمنون القائلون بذلك (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥١) أي الفائزون بكل مطلب ، والناجون من كل غضب (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما أمروا به من الاحكام الشرعية ، فيما سرهم وساءهم (وَيَخْشَ اللهَ) على ما مضى من ذنوبه (وَيَتَّقْهِ) فيما بقي من عمره (فَأُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر (هُمُ الْفائِزُونَ) (٥٢) بالنعيم الدائم في الجنة.
وهذه الآية على إيجازها حاوية لكل ما ينبغي للمؤمنين أن يفعلوه. وقرأ أبو عمرو وشعبة وخلاد ويتقه بسكون الهاء. وقالون اختلاس كسرة الهاء وحفص بسكون القاف وقصر كسرة الهاء والباقون وخلاد في أحد وجهيه بإشباع كسرة الهاء (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي أقسم المنافقون به تعالى أقصى مراتب اليمين في الوكادة : (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ) بالخروج إلى الغزو (لَيَخْرُجُنَ). نزلت هذه الآية لما قال المنافقون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أينما كنت نكن معك لئن خرجت خرجنا ، ولئن أقمت أقمنا وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا. (قُلْ) لهم إظهارا لعدم القبول لكونهم كاذبين في تلك اليمين : (لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) وهذا خبر مبتدأ محذوف ، والجملة تعليل للنهي ، أي لا تقسموا على ما تدعون من الطاعة لأن طاعتكم طاعة نفاقية واقعة باللسان فقط من غير موافقة للقلب وهي معروفة لكل أحد.
وقرأ اليزيدي بالنصب على معنى تطيعون طاعة معروفة لكل أحد مشهورة في ذلك. والمعنى : أن الطاعة وإن اجتهد العبد في إخفائها لا بد أن تظهر مخايلها على شمائله ، وكذا المعصية لأنه ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها كما رواه الطبراني عن عثمان ، وعن سعيد لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنا من كان. وعن عثمان بن عفان قال : لو أن رجلا دخل بيتا في جوف بيت فأدى هناك عملا أوشك الناس أن يتحدثوا به وما من عامل عمل عملا إلا كساه الله رداء عمله إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (٥٣) مما تظهرونه من الأكاذيب المؤكدة بالأيمان الفاجرة ، وما تضمرونه في قلوبكم من الكفر والنفاق والعزيمة على مخادعة المؤمنين وغيرها. وهو مجازيكم على ذلك. (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ) فيما يدعوكم إليه (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في مسلكه إلى الله تعالى ،