إبراهيم : (سَلامٌ عَلَيْكَ) ، وهذا توادع ومتاركة ، أي لا أشافهك بما يؤذيك بعد. (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) ، أي أدعو لك ربي أن يهديك إلى الإيمان ، فإن حقيقة الاستغفار للكافر طلب التوفيق للإيمان المؤدي للمغفرة. (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (٤٧) ، أي بليغا في البرّ والألطاف. (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، أي وأترككم وما تعبدون من الأصنام ، بالارتحال من بلادكم. (وَأَدْعُوا رَبِّي) ، أي أعبده وحده. (عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي) ، أي بعبادته ، (شَقِيًّا) (٤٨) ، أي ضائع العمل كما ضاع عملكم بعبادة الأوثان. فارتحل سيدنا إبراهيم من كوثي إلى الأرض المقدسة. (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، أي فلما فارقهم إبراهيم في المكان في طريقتهم من عبادة الأوثان وأبعد عنهم إلى الأرض المقدسة ، والتشاغل بالعبادة ، (وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ، يأنس بهما لأنه عاش حتى رأى يعقوب. (وَكُلًّا) أي كل واحد منهم (جَعَلْنا نَبِيًّا) (٤٩) ، ينبئهم الله تعالى بعلوم المعارف ، وهم ينبّئون الخلق بالله وبالإسلام. (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) ، المال ، والجاه والأتباع ، والذرية الطيبة. (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) (٥٠) ، أي جعلنا لهم ثناء صادقا يفتخر بهم الناس ، ويثنون عليهم ، ويذكرهم الأمم كلها إلى يوم القيامة ، بما لهم من الخصال المرضية.
وتقول هذه الأمة في الصلوات الخمس : كما صلّيت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إلى قيام الساعة. (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً). قرأه عاصم وحمزة والكسائي ، بفتح اللام أي معصوما من الأدناس اختاره الله تعالى. والباقون بالكسر أي مخلصا لعبادته عن الرياء ، ولنفسه عما سوى الله. (وَكانَ رَسُولاً) إلى بني إسرائيل والقبط ، (نَبِيًّا) (٥١) يخبرهم عن الله تعالى. (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) أي الذي يلي يمين موسى ، والطور : جبل بين مصر ومدين ، وذلك حين توجه من مدين إلى مصر ، أي تمثل له الكلام من تلك الجهة. يقول يا موسى : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) [طه : ١٤] (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) (٥٢) ، أي مناجيا أي رفعنا قدره ، وشرّفناه بالمناجاة ، بأن أسمعه الله تعالى كلامه بلا واسطة. وقيل : رفعناه مكانا عاليا فوق السموات ، حتى سمع صرير القلم حيث كتبت التوراة في الألواح. (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) (٥٣) ، أي وجعلنا أخاه هارون نبيا من أجل رأفتنا به ، ليكون وزيرا له ، ومعينا له في تبليغ الرسالة.
وهذا إشارة إلى أن النبوة ليست كسبية ، بل هي من مواهب الله تعالى ، يهب لمن يشاء النبوة والرسالة ، وإشارة إلى أن لموسى اختصاصا بالقربة ، والقبول عند الله تعالى ، حتى يهب أخاه هارون النبوة والرسالة بشفاعته ، كما يهب الأنبياء والرسل بشفاعة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم عليهالسلام». (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) ، فكان إذا وعد الناس بشيء أنجز وعده.
روي عن ابن عباس رضياللهعنهما إنه عليهالسلام وعد صاحبا له أن ينتظر في مكان ، فانتظره