قال ابن عباس : إن عمر استأذن النبي صلىاللهعليهوسلم في العمرة فأذن له ، ثم قال : يا أبا حفص لا تنسنا من صالح دعائك. وهذه الآية تدل على أنه تعالى فوّض إلى رسوله أمر الدين ليجتهد فيه برأيه. (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) فإن الاستئذان وإن كان لعذر قوي لا يخلو عن شائبة تقديم أمر الدنيا على أمر الآخرة أو أن الاستغفار في مقابلة تمسكهم بآداب الله تعالى في الاستئذان (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لفرطات العباد (رَحِيمٌ) (٦٢) بالتسهيل عليهم (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) أي لا تجعلوا دعاءه لكم في الاعتقاد وغيره ، وأمره إياكم في أمر من الأمور كدعوة بعضكم لبعض فتستبطئون عنه ، بل أجيبوه فورا ، وإن كنتم في الصلاة إذ كان أمره فرضا لازما. وهذا قول المبرد والقفال ، ومختار أبي العباس. وأقرب إلى نظم الآية كما قاله ابن عادل والرازي وغيره. وقيل : لا تجعلوا دعاء الرسول ربه مثل ما يدعو صغيركم كبيركم فإنه قد يجاب وقد يرد ، فإن دعوات الرسول مستجابة فاحذروا سخطه فإن دعاءه مجاب ، ليس كدعاء غيره. وهذا كما قاله ابن عباس. وروي عنه أيضا لا تجعلوا نداءه صلىاللهعليهوسلم كنداء بعضكم لبعض باسمه ، ورفع الصوت ، والنداء من وراء الحجرات ، بل نادوه بغاية التوقير وبلقبه المعظّم. وذلك بمثل قولك : يا رسول لله ، يا نبي الله مع التواضع وخفض الصوت ، فلا تنادوه باسمه ولا بكنيته بأن تقولوا : يا محمد يا أبا القاسم. (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) أي قد علم الله الذين يخرجون من الجماعة قليلا قليلا على خفية ، مستترين ببعض فـ «لواذا» حال ، أو مصدر لفعل مضمر هو الحال في الحقيقة أي يلوذون لواذا أي يستتر بعضهم بمن يخرج بالإذن إراءة أنه من أتباعه (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) أي يعرضون عن أمره (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) أي محنة في الدنيا من تسليط جائر عليهم وإسباغ نعمه استدراجا بهم (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦٣) في الآخرة والكناية ترجع إلى الله ، لأنه الآمر حقيقة أو للرسول صلىاللهعليهوسلم ، لأنه المقصود بالذكر (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الموجودات بأسرها خلقا وملكا وتصرفا. وهذا دليل على قدرته تعالى على المجازاة بثواب وعقاب ، وعلى علمه تعالى بما يخفيه المكلف ويعلنه ، (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ) أيها المكلفون (عَلَيْهِ) من المخالفة في الدين والنفاق ، (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) أي ويعلم يوم يرجع المنافقون إليه تعالى للجزاء (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) في الدنيا من الأعمال ـ كمخالفة الأمر ـ فلا يعاقبهم إلا بعد إخبارهم بما عملوا (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٦٤) لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.