في تسبيح الموات وفي شهادة الأيدي والأرجل أي يقول الله للمعبودين تقريعا للعابدين (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ) بأن دعوتموهم لعبادتكم (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) (١٧) أي أم هم ضلوا عن السبيل بأنفسهم بتركهم النظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد وعبدوكم بهوى أنفسهم. (قالُوا) أي المعبودين متبرئين عن العابدين : (سُبْحانَكَ) أي قالوه تعجبا مما قيل لهم أو إشعارا بأنهم منزّهون الله تعالى عما لا يليق به ، فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده أو قصدا لتنزيهه تعالى عن الأنداد (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) فنتخذ متعد لواحد ، و «من أولياء» مفعول ، و «من» زائدة ، و «من دونك» حال ، لأن نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالا. وعن أبي جعفر وابن عامر أنهما قرءا «تتخذ» بالبناء للمفعول فهو متعد لمفعولين ، والمفعول الأول نائب الفاعل ، و «من أولياء» مفعول ثان ، و «من» للتبعيض وتنكير «أولياء» من حيث إنهم أولياء مخصوصون ، وهم الجن والأصنام. ومعنى الآية : لا يستحق لنا أن يتخذ بعضنا أولياء. والحاصل إن كان معبودهم ملائكة قالت : نحن عبيدك فلا يستقيم لعبيدك أن يتخذوا من غيرك أحباء يعبدونهم فإذا كنا نعتقد أن غيرك لا يجوز أن يكون معبودا ، فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا وإن كان أصناما قالت : لا يصح منا أن نكون من العابدين فكيف يمكننا أن ندعي أننا من المعبودين فما أضللناهم. (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ) أي ولكن يا إلهنا أكثرت عليهم وعلى آبائهم من النعم فجعلوا ذلك ذريعة إلى ضلالهم (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) أي تركوا الإيمان بالقرآن (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) (١٨) أي وصاروا قوما هالكين فاسدة القلوب. (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ) أي فقال الله تعالى عند ذلك : فقد كذبكم أيها الكفرة معبودكم في قولكم : إنهم آلهة. فالباء بمعنى في أو هي صلة للتكذيب على أن الجار والمجرور بدل اشتمال من الضمير المنصوب ، أي فقد كذبوا قولكم : إنهم آلهة. وانظر كيف أظهر الله صدق الأصنام وكذب الكفار ، وتقولون بالتاء الفوقانية باتفاق العشرة.
وقرئ شاذة بالياء ، أي كذبوكم بقولهم : (سُبْحانَكَ) الآية. (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً). وقرأ حفص بالتاء على الخطاب ، أي فما تستطيعون أيها الكفار صرف الأصنام والملائكة عن شهادتهم عليكم ولا نصر أنفسكم في إضافة الصدق إلى أنفسكم ولا تستطيعون دفع العذاب عنكم ولا منعه عنكم بأنفسكم ولا بغيركم. وقرأ الباقون بالياء على الغيبة أي فما تستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب ويحتالوا لكم ، ولا أن ينصروكم بوجه من الوجوه. (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) (١٩) أي ومن يكفر منكم يا معشر المؤمنين ، أو ومن يستمر منكم يا معشر الكفار على ما أنتم عليه من الكفر والعناد نذقه عذابا كبيرا في الدنيا والآخرة والعامة. قرءوا «نذقه» بنون العظمة. وقرئ بالياء والضمير عائد لله تعالى أو للظلم المفهوم من الفعل على سبيل المجاز بإسناد إذاقة العذاب إلى السبب (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) و «إن» مكسورة باتفاق العشرة و «اللام» لام