سنة. وقد وعد من نفسه الصبر على الذبح فوفى به ، (وَكانَ رَسُولاً) إلى جرهم ـ وهم قبيلة من عرب اليمن نزلوا في وادي مكة ـ بشريعة أبيه ، فإن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته. (نَبِيًّا) (٥٤) ، يخبر عن الله ، (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ) ، أي قومه ، (بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) ، أي الصدقات الواجبة ، (وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) (٥٥) ، أي فائزا في كل طاعاته بأعلى الدرجات. (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ) ، وهو سبط شيث وجدّ أبي نوح (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً) ، أي ملازما للصدق في جميع أحواله ، (نَبِيًّا) (٥٦) ، وهذا مخصص للخبر الأول ، إذ ليس كل صديق نبيا. (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) (٥٧) ، وهو السماء الرابعة.
وكان سبب رفعه إليها ، أنه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس ، فقال : يا ربّ إني قد مشيت فيها يوما فأصابني منها ما أصابني ، فكيف من يحملها مسيّرة خمسمائة في يوم واحد؟ اللهم خفف عنه من ثقلها ، وحرّها ، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ، ما لا يعرف ، فقال : يا ربّ خففت عني حرّ الشمس ، فما الذي قضيت فيه؟ قال : إن عبدي إدريس ، سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته ، قال : يا ربّ اجعل بيني وبينه خلة ، فأذن الله تعالى له حتى أتى إدريس ورفعه إلى السماء. (أُولئِكَ) العشرة المذكورون في هذه السورة ، (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ، بفنون النعم الدينية والدنيوية ، (مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) ، وهو إدريس ، (وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) أي ومن ذرية من مع نوح في السفينة وهو إبراهيم فإنه من ذرية سام بن نوح ، (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ) ، وهم إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، (وَإِسْرائِيلَ) ، أي ومن ذرية يعقوب ، وهم يوسف ، وإخوته ، وموسى ، وهارون ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، (وَمِمَّنْ هَدَيْنا) ، أي ومن جملة من هديناهم إلى الحق. (وَاجْتَبَيْنا) أي اصطفيناهم للإسلام ، كعبد الله بن سلام ، وأصحابه واسم الموصول خبر اسم الإشارة ، ومن النبيين بيان للموصول ، ومن ذرية بدل بإعادة الجار ، ومن للتبعيض. (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ) وهي ما خصهم الله تعالى به من الكتب المنزلة عليهم ، (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (٥٨) ، من مخافة الله تعالى.
قال العلماء : ينبغي أن يدعو الساجد للتلاوة في سجدته بما يليق بآياتها ، فههنا يقول : اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم ، المهديين ، الساجدين لك ، الباكين عند تلاوة آياتك ، اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك ، المسبحين بحمدك ، وأعوذ بك من أن أكون من المستكبرين عن أمرك. (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) ، أي حدث من بعد النبيين جماعة سوء ويقال لعقب الخير : «خلف» بفتح اللام ولعقب الشر : «خلف» بالسكون. (أَضاعُوا الصَّلاةَ) ، أي تركوها ، (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ).
قال ابن عباس رضياللهعنهما : هم اليهود ، تركوا الصلاة المفروضة ، وشربوا الخمر ، واستحلوا نكاح الأخت من الأب. وعن علي رضياللهعنه : هم من بني المشيد ، وركب المنظور ، ولبس المشهور. (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٥٩) أي واديا في جهنم ، بعيدا قعره ، تستعيذ منه