الابتداء زيدت في الخبر ، والجملة الواقعة بعد إلا حالية ، أي وما أرسلنا قبلك يا أشرف الخلق أحدا من المرسلين إلا وحالهم آكلون وماشون فأنت مثلهم في ذلك. وقرئ «يمشون» على البناء للمفعول ، أي يمشيهم حوائجهم (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) أي وجعلنا كل أمة كافرة فتنة لرسولها المبعوث إليها كأن يقول بعض الكفار لبعض الأنبياء آتنا معجزة كمعجزة بني فلان (أَتَصْبِرُونَ) يا معشر الأنبياء على ما تسمعون من أقاويلهم الخارجة من حدود الإنصاف ، فالمعنى جرت سنتنا على ابتلاء المرسلين بأممهم بإيذائهم لهم لنعلم صبرهم. (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) (٢٠) بأعمال كلهم وجزائها. وهذا وعد كريم للرسول صلىاللهعليهوسلم بالأجر الجزيل لصبره الجميل. (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي لا يؤملون وعدنا على الطاعة من الثواب فلا يخافون العقاب لكفرهم بالبعث. وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ) إلخ. (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) أي هلا أنزلوا علينا بطريق الرسالة (أَوْ نَرى رَبَّنا) فيخربنا بصدق محمد في رسالته. (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) أي أنهم أضمروا الاستكبار في قلوبهم واعتقدوه. (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٢١) أي تجاوزوا الحد في الظلم حتى اجترءوا على هذا القول العظيم الشنيع. (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) منصوب بعامل دل عليه «لا بشرى» أي يبغون البشرى يوم يرون ملائكة العذاب قائلين : (لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) أي الكافرين في كل الأوقات فإنهم يشافهون في أول الأمر بما يدل على نهاية اليأس والخيبة ، فذلك هو النهاية في الإيلام (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) (٢٢) أي يقول الكافرون الذين طلبوا نزول الملائكة إذا رأوا الملائكة وفزعوا منهم عند الموت : ويوم القيامة حجرا محجورا ؛ وهي كلمة كانوا يقولونها عند لقاء العدو ونزول شدة ، ويضعونها موضع الاستعاذة. والمعنى : نسأل الله تعالى أن يمنع ذلك منعا. وقيل : يقول الحفظة للكفار ، إذا خرجوا من قبورهم : حجرا محجورا. ومعناه جعل الله الغفران والجنة والبشرى حراما عليكم.
وقال الكلبي : إن الملائكة على باب الجنة يبشرون المؤمنين بالجنة ويقولون للمشركين : حجرا محجورا. وقرأ الضحاك والحسن وأبو رجاء على ضمها. وقرئ بفتحها. (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) أي وقصدنا إلى أعمالهم التي ظنوا أنها تقربهم إلى الله تعالى (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٢٣) أي أبطلناه وجعلناه مثل الهباء المنثور الذي لا يمكن القبض عليه في عدم إمكان الانتفاع به بالكلية والهباء شبه غباريرى في شعاع الشمس يطلع من الكوة (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) هم المؤمنون (يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (٢٤) أي موضع استراحة نصف النهار في الحر وقد أشارت الآية إلى أن كلا من أهل الجنة وأهل النار قد استقروا في وقت القيلولة. وإن كان استقرار المؤمنين في راحة ، واستقرار الكافرين في عذاب فيكون الحساب لجميع الخلائق قد انقضى في هذا الوقت ، لأن القائلة تكون في نصف النهار ، والحساب يكون من أوله.
والمراد من ذلك : بيان أن ذلك الموضع أطيب المواضع ، كما أن موضع القيلولة يكون