كذلك ، وإشارة إلى أنه مزين بفنون الزخارف (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (٢٥) أي يوم القيامة تتفتح كل سماء بسبب طلوع الغمام منها ، وهو سحاب أبيض فوق السموات السبع ، ثخنه كثخن السموات السبع ، وثقله كذلك ، فينزل على السماء السابعة فيخرقها بثقله ، وهكذا حتى ينزل إلى الأرض ، وفيه ملائكة كل سماء ، فينزل أولا ملائكة السماء الدنيا وهم أكثر من أهل الأرض من إنس وجن ، ثم ينزل ملائكة السماء الثانية وهم أزيد من ملائكة سماء الدنيا ، وهكذا ، ثم ينزل الكروبيون وحملة العرش ، فإذا نزل ملائكة سماء الدنيا اصطفوا حول العالم المجموع في المحشر صفا ، وإذا نزل ملائكة السماء الثانية اصطفوا خلف هذا الصف صفا آخر ، وهكذا ، أي يحيطون بمن بعدهم حتى يصيروا سبع صفوف حول العالم. (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) أي السلطنة القاهرة الثابتة ثباتا لا يمكن زواله صورة ومعنى ثابتة للرحمن يوم إذ تشق الغمام لا يشركه فيها أحد. (وَكانَ يَوْماً) أي ذلك اليوم (عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) (٢٦) أي شديدا بخلاف المؤمنين فقد جاء في الحديث أنه يهون يوم القيامة على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا ، (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) أي يوم القيامة يأكل الكافر يديه إلى المرفق ، ثم ينبتان ، ثم يأكلهما وهكذا فلا يزال كذلك ـ كما قاله الضحاك وعطاء ـ وقال أهل التحقيق : هذه اللفظة كناية عن الندامة والغم. (يَقُولُ) حال من فاعل يعض (يا) لمجرد التنبيه من غير قصد إلى تعيين المنبه (لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (٢٧) أي ليتني صاحبت رسول الله في اتخاذ سبيل الهدى ، واستقمت على دين الرسول. (يا وَيْلَتى) أي يا هلاكي ، تعال فهذا أوانك (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) (٢٨) أي صديقا وافقته في أعماله. (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) أي والله لقد صرفني عن القرآن وموعظة الرسول (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي).
قال ابن عباس : والمراد بالظالم : عقبة بن أبي معيط بن أمية ، بن عبد شمس كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما يدعو إليه جيرانه من أهل مكة ، ويكثر مجالسة النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويعجبه حديثه ، فصنع طعاما ودعا الرسول ، فلما قرب إليه الطعام قال صلىاللهعليهوسلم : «ما آكل من طعامك حتى تأتي بالشهادتين» فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. فأكل صلىاللهعليهوسلم من طعامه. وكان أبي بن خلف الجمحي صديقه فعاتبه ، فقال له : يا عقبة قد ملت إلى دين محمد! فقال عقبة : والله ما ملت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن شهدت له ، فاستحيت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له ، فطعم فقال : أبيّ لا أرضى عنك أبدا حتى تأتيه فتطأ قفاه وتبزق في وجهه ، فأتاه فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل عقبة ذلك ، فعاد بزاقه على وجهه فحرقه ، فقال صلىاللهعليهوسلم له : «لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف» (١) فنزل قوله تعالى :
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب التفسير ، تفسير سورة ٢ ، باب : وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا