واحد منهم فتتنا تفتيتا لما كذبوا الرسل فإنا لم نهلكهم إلا بعد الإنذار وجواب ما أوردوه من الشبه حتى وضح لهم السبيل. (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) أي وبالله لقد مرّ قريش على قرية سذوم من قرى قوم لوط التي أهلكت بالحجارة من السماء في أسفارهم إلى الشام للتجارة ، (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) أي أفلم يكونوا في مرورهم ينظرون إلى آثار عذاب الله تعالى (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) (٤٠) أي بل كانوا قوما ينكرون البعث ، ولا يؤمنون بالجزاء الأخروي فلا يرجون ثواب الآخرة حينئذ لا يتحملون متاعب التكاليف ومشاق الاستدلال (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) ، أي إذا رآك يا أشرف الخلق كفار مكة قصروا معاملتهم معك على اتخاذهم إياك هزوا فقوله : (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) جواب «إذا» ، واختصت «إذا» بكون جوابها لا يحتاج إلى الفاء إذا كان منفيا بما أو إن أو لا بخلاف غيرها من أدوات الشرط. (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (٤١).
وهذا محكي لقول مضمر هو حال من فاعل «يتخذونك» أي إذا رأوك يستهزئون بك قائلين : أبعث الله هذا رسولا إلينا ، وهذا على سبيل الاستهزاء. والمعنى : أهذا الذي يزعم أنه بعثه الله رسولا (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها).
ويروى أن هذا من قول أبي جهل و «إن» مخففة من «إن» الثقيلة ، وضمير الشأن محذوف أي إن الشأن كاد هذا الرجل ليصرفنا من عبادة آلهتنا صرفا كليا لو لا أن ثبتنا عليها ، وهذا اعتراف منهم بأنه صلىاللهعليهوسلم قد بلغ من الاجتهاد في الدعوة إلى التوحيد وإقامة الحجج وإظهار المعجزات إلى حيث قاربوا أن يتركوا دينهم ، لولا فرط لجاجهم وغاية عنادهم. (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ) الذي يستحقه كفرهم وعنادهم عيانا في الآخرة (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٤٢) أي من أخطأ حجة فهذا وعيد شديد لهم على الإعراض عن الاستدلال والنظر (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (٤٣). وهذا أمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتعجب من شناعة حالهم ، أي أرأيت يا أشرف الخلق الذي جعل معبوده ما يهواه وهو النضر وأصحابه أفأنت تكون عليه حفيظا تحفظه من اتباع هواه أي لست كذلك.
وقال سعيد بن جبير : كان الرجل من المشركين يعبد الصنم ، فإذا رأى أحسن منه رماه واتخذ الآخر وعبده. (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ) أي بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون ما تتلو عليهم من الآيات سماع تفكّر ، أو يفهمون ما فيها من المواعظ الزاجرة عن القبائح الداعية إلى المحاسن ، وهذا انتقال عن الإنكار المذكور إلى إنكار حسبانه صلىاللهعليهوسلم لهم ممن يسمع أو يعقل فـ «أم» بمعنى بل والهمزة التي للاستفهام الإنكاري وإنما ذكر الأكثر لأنه كان فيهم من يعرف الله تعالى ويعقل الحق إلا أنه ترك الإسلام لمجرد حب الرياسة لا للجهل. (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) في عدم انتفاعهم بقرع الآيات آذانهم ، وعدم تدبرهم فيما شاهدوا من الدلائل