والمعجزات ، وإقبالهم على اللذات الحاضرة (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٤٤) من الأنعام ، لأنها تنقاد لمن يتعهدها ، وتميز من يحسن إليها ممن يسيء إليها وتطلب ما ينفعها ، وتتجنب ما يضرها وهؤلاء لا ينقادون لربهم ، ولا يعرفون إحسانه تعالى من إساءة الشيطان ولا يطلبون الثواب ولا يتقون العقاب ، ولأنها جارية إلى ما خلقت هي له فلا تقصير منها ، في طلب الكمال لأنه غير ممكن منها وهؤلاء معطلون لعقولهم مستحقون بتقصيرهم أعظم العقاب ، (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) أي ألم تعلم يا أشرف الخلق إلى حسن صنع ربك ، (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ)؟ أي كيف بسطه؟ فالظل هو الأمر المتوسط بين الضوء الخالص ، والظلمة الخالصة ، وهو فيما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس. وكذا الكيفيات الحاصلة داخل السقف وأفنية الجدران ، وهو أطيب الأحوال ، لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وتسد النظر والضوء الخالص من شعاع الشمس يبهر البصر ويسخن الجو ، وهي مؤذية. (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي دائما غير زائل بأن لا تذهبه الشمس (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ) أي الظل (دَلِيلاً) (٤٥) ، فالنظر إلى الجسم الملون وقت الظل لا يشاهد شيئا سوى الجسم ، واللون ، ولا يعرف شيئا ثالثا فإذا طلعت الشمس ووقع ضوءها على الجسم ، زال ذلك الظل ، فعرف أن للظل وجودا لأن الأشياء إنما تعرف بأضدادها ، فلولا الشمس لما عرف الظل ، ولولا الظلمة لما عرف النور ، فالله تعالى لما أطلع الشمس على الأرض ، وأزال الظل ، ظهر للعقول أن الظل كيفية زائدة على الجسم واللون ، فلهذا قال تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) أي خلقنا الظل أولا بالمنافع واللذات ، ثم إنا هدينا العقول إلى معرفة وجوده باطلاع الشمس فكانت الشمس دليلا على وجود هذه النعمة ، والخطاب في (أَلَمْ تَرَ) عام ، وإن كان ظهره للرسول ، لأن المقصود بيان إنعام الله تعالى بالظل وجميع المكلفين مشتركون في تنبههم على هذه النعمة وتوجيه الرؤية إلى الله تعالى إشارة إلى أن الذي ينبغي للعاقل أن يكون مطمح نظره معرفة شؤون الصانع الحكيم وأن يكون نظره مقصور على الآثار والصنائع ، (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) (٤٦) أي ثم أزلنا الظل يسيرا يسيرا ، فكلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصان الظل ، وقبض الظل لو حصل دفعة لاختلت المصالح ، فإذا غربت الشمس ، فليس هناك ظل إنما ذلك بقية نور النهار وقوله تعالى : (إِلَيْنا) للتصريح على كون مرجع الظل إليه تعالى كما أن حدوثه منه تعالى ، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) أي مثل اللباس يستركم بظلامه كما يستركم اللباس (وَالنَّوْمَ سُباتاً) أي جعل النوم الواقع في الليل قطعا عن الأفعال المختصة بحال اليقظة. (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) (٤٧) أي زمان بعث من ذلك النوم. وفي هذا إشارة إلى أن النوم واليقظة أنموذج للموت والنشور. وعن لقمان : يا بني كما تنام فتوقظ كذلك تموت وتنشر (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي قدام المطر.
وقرأ ابن كثير «الريح» بالإفراد وقرأ «نشرا» نافع وابن كثير وأبو عمرو بضم النون والشين أي