ناشرات للسحاب. وقرأه ابن عامر بضم النون وسكون الشين. وقرأه حمزة والكسائي بفتح النون وسكون الشين على أنه مصدر بمعنى اسم الفاعل أي متفرقة. وقرأه عاصم بالباء الموحدة المضمومة وسكون الشين أي مبشرات فالرياح المبشرات هي : الصبا ، والجنوب ، والشمال. أما الدبور : فهي ريح العذاب التي أهلكت بها عاد. (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (٤٨) أي بليغا في الطهارة (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) أي مكانا لا نبات فيه ، أي ليصير ذا نبات (وَنُسْقِيَهُ) أي ذلك الماء (مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً) أي بهائم (وَأَناسِيَ) جمع إنسان أصله أناسين ، (كَثِيراً) (٤٩). وهذا إما راجع لـ «الأناسي» ، وذلك لأن أكثر الناس يجتمعون في البلاد القريبة من الأنهار ومنابع المياه فهم في غنية في شرب الماء عن المطر ، وكثير منهم نازلون في البوادي فلا يجدون المياه للشرب إلا عند نزول المطر وإما راجع إلى «ونسقيه» ، وذلك لأن الحيوان يحتاج إلى الماء حالا بعد حال ما دام حيا وهو مخالف للنبات الذي يكفيه من الماء قدر معين حتى لو زيد عليه بعد ذلك لكان أقرب إلى الضرر. (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) أي وبالله لقد أجرينا المطر في البلاد المختلفة والأوقات المتغايرة والصفات المتفاوتة حتى انتفعوا بالزرعات ، وأنواع المعاش به ، كما روي مرفوعا عن ابن مسعود قال : «ليس من سنة بأمطر من أخرى ولكن الله تعالى قسم هذه الأرزاق فجعلها في السماء الدنيا في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ، ورزق معلوم وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله تعالى ذلك إلى غيرهم فما زيد لبعض نقص من غيرهم ، وإذا عصوا جميعا صرف الله ذلك المطر إلى الفيافي والبحار». (لِيَذَّكَّرُوا).
وقرأ حمزة والكسائي بسكون الذال وضم الكاف ، أي ليذكروا نعمة الله به ويقوموا بشكره. والباقون بفتح الذال والكاف مشددتين ، أي ليعتبروا بالصرف إليهم وعنهم (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) (٥٠) أي جحودا للنعمة من حيث لا يتفكرون فيها ، ولا يستدلون بها على وجود الصانع وقدرته وإحسانه. وقيل : المعنى : وبالله لقد كررنا هذا القول الذي هو ذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر بين الناس المتقدمين والمتأخرين في القرآن ، وسائر الكتب المنزلة على الرسل ليستدلوا به على الصانع ، فأبى أكثر الناس إلا كفور النعمة القرآن والكتب ، ولنعمة المطر حيث أسندوها لغير خالقها ، (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) (٥١) أي نبيا ينذر أهلها فيخف عليكم أعباء الرسالة ، ولكنا قصرنا الأمر عليكم وفضلناك على سائر الرسل (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أي فلا توافقهم فيما يأمرونك (وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) (٥٢) أي جاهدهم بسبب كونك نذيرا كافة القرى جهادا جامعا لك مجاهدة ، أو وجاهدهم ملابسا بترك طاعتهم بل بالشدة لا بالمداراة جهارا كبيرا ، وذلك بتلاوة ما في القرآن من الزواجر والنواذر وتذكير أحوال الأمم المكذبة ، فإن مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف. (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أي أرسلهما في مجاريهما متلاصقين (هذا عَذْبٌ) أي سائغ (فُراتٌ) أي بالغ في العذوبة حتى يصير إلى