الْكافِرِينَ) (١٩) أي الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية ، وعدم اتخاذك عبدا لي كبني إسرائيل أو من الذين يكفرون في دينهم ، فقد كانت لهم آلهة (قالَ) موسى : (فَعَلْتُها) أي تلك الفعلة (إِذاً) أي حين إذ كنت لابثا فيكم (وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) (٢٠) أي الناسين عن معرفة ما يؤول إليه القتل ، لأنه فعل الوكزة على وجه التأديب.
وقرئ من الجاهلين أي بأن ذلك الفعل يؤدي إلى القتل (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ) إلى ربي (لَمَّا خِفْتُكُمْ) أن تؤاخذوني بما لا أستحقه بجنايتي ، لأني قتلت القتيل خطأ ، وأنا ابن اثنتي عشرة سنة مع كونه كافرا. وروي عن حمزة «لما خفتكم» بكسر اللام وب «ما» المصدرية ، أي لتخوفي منكم (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) أي علما وفهما في الدين (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢١) بعد تلك الفعلة (وَتِلْكَ) أي التربية (نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٢٢) ، ومحل «أن عبدت» رفع عطف بيان لتلك أو بدل من «نعمة» أي وتلك جعلك بني إسرائيل عبيدك وقصدك إياهم بذبح أبنائهم هو السبب في وقوعي عندك وإنفاقك علي مما أخذت من أموالهم ، فلو لم يكن ذلك الظلم لكنت مستغنيا عن تربيتك ، فلا نعمة لك علي بالتربية ، ولا فضيلة لك في عدم استعبادي الذي مننت به علي ، لأن استبعادك لغيري ظلم ، كما أن عدم قتلك إياي لا يعد إنعاما ، لأن قتلك غيري ظلم.
وقال الزجاج : ويجوز أن يكون «أن عبدت» في محل نصب مفعولا لأجله والمعنى إنما صارت التربية نعمة علي لأجل أن عبدت بني إسرائيل فلو لم تفعل ذلك لكفاني أهلي. (قالَ فِرْعَوْنُ) ـ لما سمع منه عليه الصلاة والسلام تلك المقالة المتينة ـ : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٣) أي أيّ شيء رب العالمين الذي ادعيت أنك رسوله؟ (قالَ) موسى مجيبا له بإبطال دعواه أنه إله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) أي خالق هذه الثلاثة ، (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (٢٤) باستناد هذه المحسوسات إلى موجود هو واجب الوجود ، فاعرفوا أنه لا يمكن تعريفه إلا بما ذكرته ، فالسؤال عن الحقيقة سفه. (قالَ) أي فرعون : (لِمَنْ حَوْلَهُ) من أشراف قومه كانوا خمسمائة لابسين للأساورة ولم يلبسها إلا السلاطين : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) (٢٥) جوابه ، فقد سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله؟! (قالَ) موسى : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢٦) ، جاء موسى عليهالسلام بدليل يفهمونه لأنهم يعلمون أنهم قد كان لهم آباء فنوا ، وأنهم كانوا بعد أن لم يكونوا ، وأنهم لا بد لهم من مكون ومفن. (قالَ) فرعون لخاصته وعليهم أقبية الديباج ، مخوصة بالذهب ، وقد خاف من تأثرهم من جواب سيدنا موسى عليهالسلام : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٢٧) لا يفهم السؤال لأني أسأله عن شيء وهو يجيبني عن آخر ، وأسند فرعون الرسول إلى من حوله تكبرا عن أن يكون مرسلا إلى نفسه ، وسماه رسولا بطريق الاستهزاء. (قالَ) موسى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما) أي هو خالق موضع طلوع الشمس وغروبها ووقتهما وما بينهما فتشاهدون في كل يوم أنه يأتي الشمس من المشرق إلى المغرب على وجه نافع ، تنتظم به أمور الكائنات وكل