بأمر الله تعالى على ما تقتضيه حكمته. (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) ، أي لربك ما قدّامنا وما خلفنا من الجهات ، وما نحن فيه ، فلا ننتقل من جهة إلى جهة ، ومن مكان إلى مكان ، إلّا بأمره ومشيئته ، فليس لنا أن ننقلب من السماء إلى الأرض إلا بأمره (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (٦٤) أي تاركا لك بتأخير الوحي عنك ، فعدم النزول لعدم الأمر به لحكمة بالغة فيه.
وقال أبو مسلم : ويجوز أن يكون قوله تعالى : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) ، حكاية قول أهل الجنة يدخلونها ، والمعنى : وما نتنزل الجنة إلا بأمر الله تعالى ولطفه ، له ما بين أيدينا في الجنة مما يكون مستقبلا ، وما خلفنا مما كان في الدنيا ، وما بين ذلك فيما نحن فيه مما بين الوقتين. وقول تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) ابتداء كلام من الله تعالى ، تقرير لقولهم أي وما كان الله ناسيا لأعمال العاملين وللثواب عليها بما وعدهم ، لأنه عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة. (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ، فلا يجوز عليه النسيان ، وهو بدل من ربك أو خبر مبتدأ مضمر أي هو (فَاعْبُدْهُ) ، يا أكرم الرسل ، (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) ، وعدي الاصطبار باللام لأن العبادة جعلت بمعنى القرب ، ففيه معنى الثبات لأن العبادة ذات شدائد ومشاق ، فكأنه قيل : اثبت لعبادة الرب ، ولا يضق صدرك ، من قول الكافرين لك. (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ) ، أي للرب (سَمِيًّا) (٦٥) أي نظيرا فيما يقتضي العبادة ، من كونه منعما بأصول النعم وفروعها ، وشريكا في الاسم الخاص كرّب السموات والأرض وما بينهما وكالله. وعن ابن عباس رضياللهعنهما : لا يسمّى بالرحمن غير تعالى. (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) أبي بن خلف الجمحي بطريق الإنكار والاستبعاد فإنه أخذ عظاما بالية ففتّها ، وقال : يزعم محمد أنا نبعث ما نموت ، ونصير إلى هذه الحال أو الوليد بن المغيرة ، أو أمية بن خلف. (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) (٦٦) ، أي أبعث من الأرض. (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ) وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وقالون ، عن يعقوب بسكون الذال ، وضم الكاف ، أي أيقول المجترئ بهذا الإنكار على ربه ولا يتفكر ، (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل الحالة التي هو فيها من نطفة منتنة ، (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) (٦٧) أي والحال أنه لم يكن حينئذ شيئا أصلا ، أي أولا يعلم ذلك من حال نفسه؟ لأن كل أحد يعلم أنه لم يكن حيا في الدنيا ، ثم صار حيا فيها. (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) أي لنجمعنّ القائلين بعدم البعث بالسوق إلى المحشر ، بعد ما أخرجناهم من الأرض أحياء. (وَالشَّياطِينَ).
روي أن كل كافر يحشر مع شيطانه الذي يضلّه في سلسلة. (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ) بعد طول الوقوف في المحشر (حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) (٦٨) ، أي باركين على الركب ، لما يدهمهم من شدة الأمر الذي لا يطيقون معه القيام على أرجلهم. (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) أي من كل أمة تبعث دينا من الأديان ، (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (٦٩) أي جراءة. أي فمن كان أشدهم تمردا في كفره ، خصّ
__________________
(١٦ : ٧٨) ، والقرطبي في التفسير (١١ : ١٢٨).