يبعث العباد من القبور فخزي كل واحد على حسب مقامه فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين كما أن درجات الأبرار دركات المقربين (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٩) فيوم بدل من يوم قبله وإلا من أتى مفعول لينفع أي لا ينفع مال وإن كان مصروفا في الدنيا إلى وجوه الخيرات ولا بنون وإن كانوا صلحاء إلا أحدا سلم قلبه عن الكفر والأخلاق الرذيلة فينفعه ماله الذي أنفقه في الخير وولده الصالح بدعائه ، وأما الذنوب فلا يسلم منها أحد (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٩٠) أي ويوم قربت الجنة للمتقين عن الكفر والمعاصي بحيث يشاهدونها من الموقف ، فيبتهجون بأنهم المحشورون إليها (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) (٩١) أي ويوم جعلت النار ظاهرة للضالين عن طريق الإيمان والتقوى بحيث يرونها مع ما فيها فيتحرنون على أنهم المسوقون إليها. (وَقِيلَ لَهُمْ) على سبيل التوبيخ : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ)؟ أي أين آلهتهم الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شفعاؤكم في هذا الموقف (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) بدفع عذاب عنكم (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) (٩٣) أي أو ينفعون أنفسهم بامتناعهم من العذاب فإنهم وآلهتهم وقود النار ، وهو قوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) (٩٥) أي فألقي في الجحيم الأصنام والذين عبدوها ، والذين أضلوهم على وجوههم مرة بعد أخرى إلى أن يستقروا في قعرها ، فيجتمعون في العذاب لاجتماعهم فيما يوجبه. (قالُوا) أي العابدون معترفين بخطئهم في انهماكهم في الضلالة ، (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) (٩٦) أي والحال أنهم في الجحيم بصدد الاختصام مع من معهم : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٩٧) وهذا معمول لـ «قالوا» ، وجملة «وهم فيها» إلخ في محل نصب على الحال «وإن» مخففة من الثقيلة قد حذف اسمها الذي هو ضمير الشأن ، واللام فارقة بينها وبين النافية أي إن الشأن كنا في ضلال واضح لإخفاء فيه (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٩٨) ظرف لكونهم في ضلال مبين أي تالله لقد كنا في غاية الضلال الفاحش وقت تسويتنا إياكم أيها الأصنام برب العالمين الذي أنتم أذل مخلوقاته في استحقاق العبادة ، (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) (٩٩) أي الذين دعونا إلى عبادة الأصنام من رؤسائنا وكبرائنا (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) (١٠٠) كما نرى المؤمنين أن لهم شفعاء من الملائكة والنبيين ، (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (١٠١) أي خالص مع موافقة الدين كما نرى أن المؤمنين أصدقاء لأنه لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون ، وأما أهل النار فبينهم التعادي والتباغض ، وفي بعض الأخبار يجيء يوم القيامة عبد يحاسب فيستوي حسناته وسيئاته فيقول الله تعالى : عبدي بقيت لك حسنة إن كنت تريد أن أدخلك الجنة انظر واطلب من الناس لعل واحدا يهب منك حسنة واحدة ، فيأتي العبد في الصفوف ويطلب من أبيه ، ثم من أمه ، ثم من أصحابه فلا يجيبه أحد وكل يقول له : أنا اليوم مفتقر إلى حسنة واحدة فيرجع إلى مكانه فيسأله الله تعالى ويقول : ماذا جئت به؟ فيقول : يا رب لم يعطني أحد حسنة واحدة من حسناته فيقول الله تعالى : يا عبدي ألم يكن لك صديق في فيذكر العبد ويقول فلان كان صديقا لي فيدله الله عليه فيأتيه فيكلمه