في حاجته فيقول : بلى لي عبادات كثيرة اقبلها مني فقد وهبتها منك ، فيجيء هذا العبد إلى موضعه ويخبر بذلك ربه فيقول الله تعالى : قد قبلتها منه ولم أنقص من حقه شيئا وقد غفرت لك وله. (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) أي فليت لنا رجعة إلى الدنيا (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٢) منصوب في جواب التمني (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر من نبأ إبراهيم المشتمل على بيان بطلان ما عليه أهل مكة من عبادة الأصنام (لَآيَةً) أي لعظة لمن أراد أن يعتبر وحجة لمن أراد أن يستبصر بها (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٠٣) أي وما أكثر هؤلاء الذين نتلو عليهم النبأ مؤمنين ، بل هم مصرون على الكفر والضلال (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٠٤) أي لهو القادر على تعجيل العقوبة لقومك ، ولكنه يمهلهم بحكم رحمته الواسعة ليؤمن بعض منهم أو من ذرياتهم (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٠٥) بتكذيبهم نوحا فمن كذب واحدا من الرسل فقد كذب الكل ، لأن الأخير جاء بما جاء به الأول من التوحيد وأصول الشرائع التي لا تختلف باختلاف الأزمنة ، (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) في النسب (نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (١٠٦) الله حيث تعبدون غيره (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله تعالى (أَمِينٌ) (١٠٧) أي مشهور بالأمانة فيما بينكم فكيف تتهموني اليوم؟ (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١٠٨) فيما آمركم به من التوحيد والطاعة لله تعالى (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أي وما أسألكم على هذا النصح أجرة (إِنْ أَجْرِيَ) أي ما ثوابي في دعائي لكم (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠٩).
وقرأ نافع وأبو عمرو ، وابن عامر وحفص بفتح الياء في «أجري» في المواضع الخمسة في هذه السورة. والباقون بالسكون. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١١٠) أي اتبعوا وصيتي ، وكرر الأمر بالتقوى ، لأن المعنى في الأزل ألا تتقون مخالفتي وأنا رسول الله. وفي الثاني ألا تتقون مخالفتي ولست آخذا منكم أجرة. فلا تكرار فيه لأن المعنى مختلف. (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (١١١) والواو للحال أي أنصدقك يا نوح لأجل قولك هذا؟ والحال أنه قد اتبعك فقراء الناس وضعفاؤهم من النسب قيل : هم من أهل الصناعات الخسيسة كالحجامة والحياكة.
وقرأ يعقوب و «أتباعك الأرذلون»! فهو مبتدأ وخبر والجملة حال والاتباع جمع تابع أو تبع كأشهاد وأبطال (قالَ) نوح : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١٢) وهذا جواب عما أشير إليه من قولهم : إنهم لم يؤمنوا عن نظر وإخلاص عمل وإنما آمنوا بالهوى والطمع في العزة والمال ، وكان زائدة أي ما وظيفتي إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن بواطنهم ولم أكلف العلم بأعمالهم ، وإنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان فالاعتبار بالإيمان لا بالصنائع (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) أي ما محاسبة أعمالهم وبواطنهم إلا على ربي فإنه مطلع على السرائر (لَوْ تَشْعُرُونَ) (١١٣) أي لو كنتم من أهل الشعور لعلمتم ذلك فلم تقولوا ما قلتم. (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٤) بأن لا أقبل الإيمان منهم للطمع في إيمانكم (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١١٥) أي ما أنا إلا مبعوث لإنذاركم بالبرهان الواضح ولزجر المكلفين عن الكفر والمعاصي سواء كانوا من الأعزاء أو من الأراذل وقد فعلت وليس علي