وبالشعر على الشعراء؟ فرق الله تعالى بين محمد صلىاللهعليهوسلم وبين الكهنة والشعراء فقال : (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (٢٢٢) أي تنزل الشياطين على كل من اتصف بالكذب الكثير والإثم الكبير ؛ وهو مسيلمة الكذاب ، وسطيح ، وطليحة. (يُلْقُونَ السَّمْعَ) ، وهذه الجملة إما حال من فاعل «تنزل» المستتر أي يصغي الشياطين سمعهم إلى الملائكة ليسترقوا شيئا ، ويلقون الشيء المسموع إلى الكهنة. وإما صفة لكل أفاك أثيم أي يصغي الكهنة سمعهم إلى الشياطين ، أو يلقون ما سمعوه منهم إلى عوام الخلق (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) (٢٢٣) فالشياطين يسمعون الكهنة ما لم يسمعوا من الملائكة ، كما جاء في الحديث : «الكلمة يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة ، والكهنة يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم». (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٢٢٤) أي الراوون الذين يروون هجاء المسلمين ، أي وشعراء الكفار يتكلمون بالكذب ؛ منهم عبد الله بن الزبعري ، وهبيرة بن أبي وهب ، ومسافع بن عبد مناف ، وأبو عزة عمرو بن عبد الله ، وأمية بن أبي الصلت. وقالوا : نحن نقول مثل ما يقول محمد. وقالوا شعرا ، واجتمع إليهم سفهاء قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، ويرون عنهم قولهم.
وقرأ نافع بسكون التاء وفتح الباء الموحدة. (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) (٢٢٥)؟ أي ألم تعلم أيها المخاطب أن الشعراء يسيرون في طرق مختلفة سير الحائرين من طرق القيل والقال؟ فإنهم قد يمدحون الشيء بعد أن ذموه وبالعكس ، وقد يعظمونه بعد أن استحقروه وبالعكس ، لأنهم لا يطلبون بشعرهم الصدق (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (٢٢٦) فإنهم يمدحون الجود ويحثون عليه ولا يفعلونه ، ويذمون البخل ويصرون عليه ، ويهجون الناس بأدنى شيء صدر منهم ، ثم أنهم لا يفعلون الفواحش وذلك يدل على الضلالة (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله ، (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) فلم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ، ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله تعالى ، والحث على طاعته ، وفي الحكمة والموعظة والزهد في الدنيا ، والزجر عن الاغترار بزخارفها. (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) أي فلا يذكرون هجو أحد إلا من يهجوهم من الكفار وذلك رد على هجو الكفار لرسول الله وأصحابه كما قال صلىاللهعليهوسلم يوم قريظة لحسان : «اهج المشركين فإن جبريل معك» (١) وعن أنس رضياللهعنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول :
اليوم نضربكم على تنزيله |
|
خلوا نبي الكفار عن سبيله |
ويذهب الخليل عن خليله |
|
مضربا يزيل الهام عن مقيله |
فقال له عمر : يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي حرم الله تقول شعرا! فقال النبي صلىاللهعليهوسلم :
__________________
(١) رواه المتقي الهندي في كنز العمال (٣٣٢٥١).