من لفظه وحيا وإنك تلقى حقائق القرآن من عند الله تعالى ، وإن كنت تلقى القرآن بتنزيل جبريل على قلبك ، فالله تعالى علمك حقائق القرآن بأن جعلك بحكمته مستعدا لقبول فيض القرآن بلا واسطة. وهو أعلم حيث يجعل رسالته (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) أي زوجته بنت شعيب حيث تحيّر في الطريق عند مسيره من مدين إلى مصر (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي أبصرتها (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) يعرف به الطريق (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ). وقرأ الكوفيون بتنوين شهاب ، فالقبس بدل منه أو صفة له ، أي بشعلة نار مأخوذة من أصلها. والباقون بالإضافة أي بشهاب من قبس (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٧) أي لكي تدفئوا بها (فَلَمَّا جاءَها) أي تلك التي ظنها موسى نارا (نُودِيَ) من قبل الله تعالى : (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) أي بورك من في مكان النار ـ وهي البقعة المباركة ـ ومن حول مكانها ، ويدل عليه قراءة أبيّ «تباركت الأرض ومن حولها». وعنه أيضا «بوركت النار». وقيل : المراد بمن في النار هو موسى عليهالسلام لقربه منها ، ومن حولها الملائكة ، أي نودي ببركة من النار أي بتطهيره مما يشغل قلبه من غير الله ، وتخليصه للنبوة والرسالة أي ناداه الله تعالى بأنا قدّسناك واخترناك للرسالة ، وهذه تحية من الله تعالى لموسى وتكرمة له. (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٨) وهو من كلام الله مع موسى نزه الله تعالى نفسه عما لا يليق به في ذاته وحكمته ليكون ذلك مقدمة في صحة رسالة موسى عليهالسلام وإعلاما بأن ذلك الأمر مكونه رب العالمين ، ولدفع ما قد يتوهمه موسى بحسب الطبع البشري الجاري على العادة الخلقية من أن الله المتكلم به في مكان أو في جهة. ومن أن الكلام الذي يسمعه موسى في ذلك المكان بحرف وصوت حادث ككلام الخلق ، وقد علم موسى عليهالسلام أن النداء من الله لما دل على ذلك من أن النار كانت مشتعلة على شجرة خضراء لم تحترق. (يا مُوسى إِنَّهُ) أي إن مكلمك (أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٩) أي أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام ، كقلب العصا حية ، وأمر اليد الفاعل ما أفعله بحكمة بالغة و «أنّا» خبر «إنّ» و «الله» بيان له و «العزيز الحكيم» صفتان «لله» ، ممهدتان لما أراد الله أن يظهره على يد موسى عليهالسلام من المعجزات (وَأَلْقِ عَصاكَ) عطف على «بورك» ، فكلاهما تفسير لـ «نودي» ، فألقاها فانقلبت حية كبيرة جدا تسعى ، فأبصرها متحركة بسرعة واضطرب ، (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) أي تضطرب في تحركها (كَأَنَّها) أي العصا (جَانٌ) أي حية صغيرة في سرعة الحركة (وَلَّى مُدْبِراً) أي هرب موسى منها مدبرا (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي لم يلتفت إليها من خوفها لظنه أن ذلك لأمر أريد به ولذلك قال تعالى : (يا مُوسى لا تَخَفْ) منها (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (١٠) في حالة الإيحاء والإرسال ، ولا يخاف من الملك العدل إلا ظالم كما قال تعالى : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١) أي لكن من ظلم ، ثم عمل حسنا بعد سوء ، فإني غفور رحيم وهذا تعريض لطيف بما وقع من موسى عليهالسلام من وكزه القبطي. وجعل الأخفش والفراء وأبو عبيدة «إلا» حرف عطف بمنزلة الواو ، وفي التشريك في اللفظ. والمعنى : وقرئ «ألا من ظلم»