أو أن «ما كان» مجرورا بـ «عن» مقدرة ، وفاعل «صد» راجع إلى «سليمان» ، أي وصرفها سليمان عن الذي كانت تعبده وهو الشمس. (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) (٤٣) تعليل لعبادة غير الله ، أي إنها كانت من قوم راسخين في الكفر ، ولذلك لم تكن قادرة على إظهار إسلامها وهي بينهم إلى أن دخلت تحت ملك سليمان ، أو استئناف أخبر الله تعالى أنها كانت من مجوس يعبدون الشمس فلا تعرف إلا عبادتها. وقرأ سعيد بن جبير وأبو حيوة بفتح الهمزة على أن هذه الجملة مجرورة بحرف العلة ، أو بدل من «ما كان كانت تعبد» ، أي ومنعها عن إظهار دعواها الإسلام كونها من قوم كافرين أو وصرفها سليمان عن صيرورتها كافرة. (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) أي البلاط المتخذ من زجاج.
روي أن سيدنا سليمان أمر الشياطين قبل قدوم بلقيس بأن يحفروا على طريقها حفيرة ويجعلوا سقفها زجاجا أبيض شفافا يضعوا فيها ماء وسمكا ، وضفدعا وغير ذلك من حيوانات الماء وصار الماء ، وما فيه من هذا الزجاج ، فمن أراد مجاوزته يمر فوق السطح لذي تحته الماء ولا يمسه الماء ، ومن لم يكن عالما بالحال يظن هذا ماء مكشوفا ليس له سقف يمنع من الخوض فيه ، ووضع سيدنا سليمان عليهالسلام سريره في صدر ذلك السطح ، فجلس عليه.
قال وهب ومحمد بن كعب : والسبب في ذلك أن الجن قالوا لسيدنا سليمان : إن في عقل بلقيس شيئا وإن رجليها كرجلي حمار ، وإنها شعراء الساقين. وغرضهم في ذلك تنفيره عن تزوجها لأنهم ظنوا أنه سيتزوجها ، وكرهوا ذلك لأن أمها كانت جنية ، فخافوا أن تفشي له أسرار الجن ، ولأنهم خافوا أن يأتي له منها أولاد فيسخّرون الجن ، فيدوم عليهم الاستخدام والذل ، فأراد سليمان عليه سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها فإذا فيها ما يدل على كمال رزانة رأيها ورصانة فكرها ، وأن ينظر إلى قدميها ببناء ذلك البلاط ، لأنه أراد أن ينكحها ليعلم أن ما قالت الجن في حقها صدق أو كذب. (فَلَمَّا رَأَتْهُ) أي رأت ذلك الصرح (حَسِبَتْهُ لُجَّةً) أي ماء غمرا (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) على عادة من أراد خوض الماء لأجل أن تصل إلى سليمان.
قال وهب بن منبه فلما رأت اللجة فزعت وظنت أنها قصد بها الغرق ، وتعجبت من كون كرسيه على الماء ، ورأت ما هالها ، ولم يكن لها بد من امتثال الأمر ، فرفعت ثيابها عن ساقيها ، فرآهما فإذا هي أحسن النساء ساقا وقدما سليمة مما قالت الجن فيها ، إلا أنها كانت كثيرة الشعر في ساقيها ، فلما علم الحال صرف بصره عنها (قالَ) عليهالسلام حين رأى منها الدهشة والرعب : (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) أي إن الذي ظننته ماء سقف مملس من زجاج تحته ماء فلا تخافي واعبري عليه. (قالَتْ) بعد أن دعاها سليمان إلى الإسلام وقد رأت حال العرش والصرح : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بالثبات على الكفر فيما تقدم من الزمان. وقيل : بسوء ظني بسليمان أنه يغرقني في اللّجة (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) أي ودخلت في دين الإسلام مصاحبة له في