الدين ، مقتدية به (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٤). قيل : لما أراد أن يتزوجها وكره شعر ساقيها أمر الشياطين أن يتخذوا النورة والحمام لأجل إزالته ، فكانتا من يومئذ ، فلما تزوجها سليمان أحبها حبا كثيرا حتى بقيت على نكاحه إلى أن مات عنها ، ورزق منها بولد اسمه داود وأقرها على ملكها وأمر الجن ، فبنوا لها بأرض اليمن ثلاثة قصور لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا ، وكان يزورها في الشهر مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام ، وكان يبكر من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام ، وانقضى ملكها بانقضاء ملك سليمان ، فسبحان من لا يزول ملكه ، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) (٤٥) ، أي فريق مؤمن ، وفريق كافر فالذي آمنوا ، لأنهم عرفوا صحة حجة صالح فيكونون خصماء لمن لم يقبلها. والاختصام في باب الدين حق وإبطال للتقليد. (قالَ) صالح للفرقة الكافرة : (يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أي لما توعد صالح للمكذبين بالعذاب فقالوا على وجه الاستهزاء : ائتنا بعذاب الله فعند ذلك قال صالح : يا قوم قد أمكنكم التوصل إلى رحمة الله تعالى ، فلما ذا تعدلون عنه إلى استعجال عذابه؟ وكانوا لجهلهم يقولون : إن صدق إيعاد صالح بنزول العذاب تبنا حينئذ ، فحينئذ يدفع الله العذاب عنا وإلا فنحن على ما كنا عليه ، فخاطبهم صالح على حسب اعتقادهم وقال : (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) أي هلا تطلبون غفران الله قبل نزول العذاب بتوحيد الله وبالتوبة من الشرك (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٤٦)؟ بقبوله التوبة ، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر ، وإن قبول التوبة لا يمكن عند نزول العذاب. (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) أي تشاء منا بك وبمن في دينك حيث تتابعت علينا الشدائد من القحط والاختلاف مذ اخترعتم دينكم. (قالَ) صالح : (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) أي السبب الذي منه يجيء شدتكم ورخاؤكم قدره تعالى إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) (٤٧) بزينة الدنيا فلا تعرفون قدر نعم الله في حقكم.
وقال ابن عباس : أي أنتم تختبرون بالخير والشر. وقال محمد بن كعب : أي تعذبون (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ) أي في الحجر (تِسْعَةُ رَهْطٍ) أي أشخاص. قال ابن عباس : أساميهم : رعمي ، ورعيم ، وهرمي ، وهريم ، وداب ، وصواب ، ورباب ، ومسطع ، وقدار بن سالف ـ عاقر الناقة ـ وأسماؤهم عن وهب قد نظمهم بعضهم في بيتين فقال :
عمير سبيط عاصم وقدار |
|
رباب وغنم والهذيل ومسطع |
الا أن عدوان النفوس جوار |
|
و سمعان رهط الماكرين بصالح |
(يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي (وَلا يُصْلِحُونَ) (٤٨) أي لا يمزجون ذلك الفساد بشيء من الصلاح (قالُوا تَقاسَمُوا) ، أي قال بعضهم لبعض ـ في أثناء المشاورة في أمر صالح عليهالسلام ـ غب ما أنذرهم بالعذاب أحلفوا (بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (٤٩).