النيل ، وكان لفرعون بنت لم يكن له ولد غيرها وكان بها برص شديد ، وكان فرعون قد شاور الأطباء والسحرة في أمرها ، فقالوا : أيها الملك لا تبرأ هذه إلا من قبل البحر يوجد منه شبه الإنسان ، فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها ، فتبرأ من ذلك وذلك في يوم كذا في شهر كذا حين تشرق الشمس ، فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون إلى مجلس له كان على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم ، وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل ، إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج وتعلق بشجرة ، فقال فرعون : ائتوني به فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه ، فعالجوا فتح الباب ، فلم يقدروا عليه ، وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه ، فنظرت آسية فرأت نورا في جوف التابوت لم يره غيرها ، فعالجته ، ففتحته ، فإذا هي بصبي صغير ، وإذا نور بين عينيه ، فألقى الله محبته في قلوب آسية وفرعون ، فأخرجوه من التابوت وعمدت بنت فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها فبرئت في الحال ، فقبلته وضمته إلى صدرها ، فقالت الغواة من قوم فرعون : أيها الملك ، إنا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه رمي في البحر خوفا منك ، فهمّ فرعون بقتله ، فاستوهبته آسية من فرعون ، فوهبه لها ، فترك قتله ، وتبنته فقيل لآسية : سميه فقالت : سميته موشى بالشين المعجمة لأنا وجدناه في الماء والشجر فإن معنى مو ماء ومعنى شا شجر فأصل موسى بالمهملة موشى بالمعجمة وذلك قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) أي أخذت موسى جواري فرعون من بين الماء والشجر يوم الإثنين ، وذهبن به إلى امرأة فرعون (لِيَكُونَ) أي موسى (لَهُمْ عَدُوًّا) من بعد ما يجيء إليهم بالرسالة (وَحَزَناً) بذهاب ملكهم.
وقرأ حمزة والكسائي بضم الحاء وسكون الزي. والباقون بفتحهما. (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) (٨) فيما كانوا عليه من الكفر والظلم ، فعاقبهم الله تعالى بأن ربي عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم. وقال الحسن : معنى «كانوا خاطئين» أي كانوا لا يشعرون أن موسى هو الذي يذهب بمكلهم. (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) وهي آسية ـ لفرعون حين أخرجته من التابوت وهمّ فرعون بقتله لقول الغواة : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) أي هذا الغلام قرة عين لي ولك يا فرعون.
قال ابن عباس : لما قالت آسية ذلك قال فرعون : يكون لك وأما أنا فلا حاجة لي فيه. قال ابن إسحاق : إن الله تعالى ألقى محبته عليهالسلام في قلبه لأنه كان في وجهه ملاحة فكل من رآه أحبه ، ولأنها حين فتحت التابوت رأت النور ، ولأنها لما فتحته رأته يمتص إصبعه ، ولأن ابنة فرعون لما لطخت برصها بريقه زال. (لا تَقْتُلُوهُ) خاطبته بلفظ الجمع تعظيما لأجل أن يعاونها فيما تريده (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فنصيب منه خيرا لو كان له أبوان معروفان (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) ، إذا لم يعرف له أبوان وكانت آسية لا تلد (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٩). وهذا ابتداء كلام من الله تعالى أي وهم لا يشعرون أن هلاكهم في يده وبسببه. وهذا قول مجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل.