عند الرحمن؟ عهد ، فيدخلون الجنة» (١). (وَقالُوا) أي الكافرون (اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) (٨٨) عزيرا ، والمسيح ، والملائكة ، (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) (٨٩) أي لقد قلتم قولا منكرا عظيما (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) ، أي يتشققن (مِنْهُ) أي من قولهم ، (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ) أي تنخسف بهم ، (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) (٩٠) أي تسقط الجبال منطبقة عليهم. (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) (٩١) أي من نسبهم ولدا للرحمن ، وهذا بدل من الهاء في منه.
قال ابن عباس : فزعت السموات والأرض والجبال ، وجميع الخلائق إلا الثقلين ، وغضبت الملائكة حين قالوا : الله ولد ، أي استعظاما للكلمة ، وتهويلا من فظاعتها ، وتصويرا لأثرها في الدين. (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٩٢) ، لأن الولد لا بد وأن يكون شبيها بالوالد ، ولا مشبه لله تعالى. ولأن اتخاذ الوالد إنما يكون لأجل سرور الوالد به ، واستعانته به ، وذكر جميل به ، وكل ذلك لا يليق به تعالى ، محال عليه. وهذه الجملة حال من فاعل قالوا أو دعوا ، (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (٩٣) ، أي ما من أحد فيهما إلا مملوك له ، مقرّ له بالعبودية ، مطيع له ، غير الكافر. (لَقَدْ أَحْصاهُمْ) فلا يكاد يخرج منهم أحد من حيطة علمه ، وقبضة قدرته وملكوته ، (لَكَ صَدْرَكَ) (١) أي عدّ أشخاصهم ، وأنفاسهم ، وأفعالهم ، وكل شيء عنده بمقدار ، (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٩٥) أي كل واحد منهم يجيء إلى الله وحيدا ، بلا مال ، ولا أتباع. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٩٦) أي سيحدث لهم في القلوب محبة ، من غير تعرض للأسباب من قرابة ، أو صداقة ، أو اصطناع معروف ، أو غير ذلك تخصيصا لأوليائه بهذه الكرامة. كما قذف في قلوب أعدائهم الرعب إعظاما لهم. أي إن الله تعالى وعدهم أن يؤلف بين قلوبهم في الدنيا إذا ظهر الإسلام ، وأن يحبّبهم إلى خلقه يوم القيامة ، بما يظهر من حسناتهم ، وينشر من ديوان أعمالهم ، على رؤوس الأشهاد. (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ) أي القرآن (بِلِسانِكَ) أي أنزلناه ميسرا بلغتك (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) ، بامتثال ما فيه من الأمر والنهي ، (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (٩٧) ، أي الذين يجادلون فيه بالباطل وهم كفار مكة. (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أي قرونا كثيرا أهلكنا قبل هؤلاء المعاندين ، (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) (٩٨) أي هلكوا جميعا فلم يبق منهم عين ، ولا أثر فلا يرى منهم أحد ، ولا يسمع منهم صوت حفي ، أي فكما أهلكنا أولئك نهلك هؤلاء. وختم الله تعالى هذه السور بموعظة بليغة ، لأنهم إذا تأملوا وعلموا أنه لا بد من زوال الدنيا ومن الانتهاء إلى الموت ، خافوا ذلك وخافوا سواء العاقبة في الآخرة ، فكانوا أقرب إلى الحذر من المعاصي.
__________________
(١) رواه ابن حجر في الكاف والشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١٠٨).