أي الطريق الوسط ، وكان لمدين ثلاث طرق ، فأخذ موسى الطريق الوسطي ، وأخذ الطلاب الآخريين.
وقال ابن إسحاق : خرج موسى من مصر إلى مدين بغير زاد ولا مركوب وبينهما مسيرة ثمانية أيام ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر ونبات الأرض وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) أي لما وصل إلى بئر مدين (وَجَدَ عَلَيْهِ) أي فوق شفيرها (أُمَّةً) أي جماعة (مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) مواشيهم وكانوا أربعين رجلا (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) أي تحبسان غنمهما عن الماء من ضعفهما حتى يفرغ القوم.
وقال ابن إسحاق اسم الكبرى صفوراء والصغرى ليا. (قالَ) موسى لهما : (ما خَطْبُكُما) أي ما شأنكما لا تسقيان غنمكما؟ (قالَتا لا نَسْقِي) أي لا نقدر أن نسقي غنمنا (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ).
قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم بفتح الياء وضم الدال ، أي حتى يرجعوا من سقيهم. والباقون بضم الياء وكسر الدال أي حتى يصرفوا مواشيهم عن الماء (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (٢٣) لا يستطيع أن يسقي ، وليس له أحد يعينه غيرنا ، (فَسَقى لَهُما) أي فسقى موسى غنمهما لأجلهما. قيل : عمد موسى إلى بئر على رأسه صخرة لا يرفعها إلا عشرة رجال فنحاها بنفسه ، واستقى الماء من ذلك البئر (ثُمَّ تَوَلَّى) أي انصرف موسى (إِلَى الظِّلِ) أي ظل سمرة فجلس فيه ليستريح من حر الشمس ، وهو جائع لم يذق طعاما في سبعة أيام (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (٢٤) أي رب إني بسبب ما أنزلت إلي خير الدين ، صرت فقيرا في الدنيا وذلك لأن موسى كان عند فرعون في ثروة ، فقال ذلك رضا بهذا البدل وفرحا به ، وشكرا له.
روي أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما : ما أعجلكما؟ قالتا : وجدنا رجلا صالحا ، رحمنا فسقى لنا. فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي ـ وهي الكبرى عند الأكثرين ـ (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) واسمها صفوراء (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) أي مائلة عن الرجال رافعة كمها على وجهها (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) مواشينا.
روي أن موسى عليهالسلام أجابها ، فانطلقا وهي أمامه فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها : امشي خلفي وانعتي لي الطريق ، ففعلت حتى أتيا دار شعيب عليهالسلام. (فَلَمَّا جاءَهُ) أي جاء موسى شعيبا (وَقَصَ) موسى (عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أي فراره من فرعون. (قالَ) شعيب له : (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢٥) من أهل مصر فإن فرعون لا سلطان له في أرضنا.
قال الضحاك : لما دخل على شعيب قال له : من أنت يا عبد الله؟ فقال : أنا موسى بن عمران بن يصهر بن فاهت بن لاوى بن يعقوب. وذكر له جميع أمره من لدن ولادته ، وأمر