كانت فسأله عن ذلك فأخبره موسى بالقصة ، ففرح بذلك وعلم أن لموسى وعصاه شأنا ، فأراد أن يجازي موسى على حسن رعيه إكراما له وصلة لابنته فقال : إني وهبت لك من السخال التي تضعها أغنامي في هذه السنة كل أبلق وبلقاء ، فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك الماء التي تسقي الغنم منه ، ففعل ، ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحدة منها إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء ، فعلم شعيب أن ذلك رزق ساقه الله تعالى إلى موسى وامرأته فوفى له بشرطه ، (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) أي أتمه (وَسارَ) نحو مصر لصلة رحمه ، وزيارة أمه وأخيه (بِأَهْلِهِ) أي بزوجته وابنه منها والخادم بإذن من شعيب عليهالسلام ، (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) أي رأى من جهة جبل الطور عن يسار الطريق نارا ولما عزم على السير.
قال لزوجته : اطلبي من أبيك أن يعطينا بعض الغنم فطلبت من أبيها ذلك (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) أي انزلوا هاهنا (إِنِّي آنَسْتُ ناراً).
وقرأ حمزة «لأهله» في الوصل بضم الهاء. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي من عند النار بخبر الطريق ، وقد كان موسى تحيّر في الطريق (أَوْ جَذْوَةٍ) أي عود غليظ (مِنَ النَّارِ). وقرأ عاصم بفتح الجيم وحمزة بضمها. والباقون بالكسر (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٢٩) أي لكي تدفئوا بها.
روي أنه أظلم عليه الليل في الصحراء وهبت ريح شديدة ، فرقت ماشيته وأصابهم مطر ، فوجدوا بردا شديدا ، فعند ذلك أبصرنا بعيدة ، فسار إليها يطلب من يد له على الطريق (فَلَمَّا أَتاها) أي النار التي أبصرها ، (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) أي أتاه النداء من الشاطئ الأيمن بالنسبة إلى موسى (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) فإنه حصل لموسى عليهالسلام في تلك البقعة ابتداء الرسالة ، وتكليم الله تعالى إياه والجار والمجرور متعلق بـ «نودي» (مِنَ الشَّجَرَةِ) أي من جهة الشجرة ، وهي شجرة عناب أو شوك. وهذا بدل اشتمال من شاطئ (أَنْ يا مُوسى) فـ «أن» مفسرة (إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٣٠) والعامة على كسر همزة إني على تضمين النداء معنى القول. وقرئ بالفتح فهي معمولة لفعل مضمر تقديره أي يا موسى اعلم أني أنا الله ، (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) من يدك. وهذا معطوف على «أن يا موسى» مفسر أيضا لـ «نودي» ، فألقاها فصارت ثعبانا ، فتحركت رافعة رأسها (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) أي شبيهة بالحية الصغيرة في سرعة حركتها مع غاية عظم جئتها ولم تدع شجرة ولا صخرة إلا ابتلعت حتى إن موسى سمع صرير أسنانها ، وقعقعة الشجر ، والصخر في جوفها (وَلَّى مُدْبِراً) هاربا منها (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي لم يرجع ، ولم يلتفت إليها قال الله : (يا مُوسى أَقْبِلْ) إليها (وَلا تَخَفْ) منها (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) (٣١) من شرها ، فأخذها موسى فإذا هي عصا كما كانت قال الله له : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) أي أدخل كفك اليمين في طوق قميصك وأخرجها (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) لها ضوء كضوء