(وَقالُوا) للاغين : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) أي لنا ديننا ولكم دينكم ، (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) وهو سلام إعراض وفراق ، لا سلام تحية فلا نقابلكم بمثل ما فعلتم بنا ، (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) (٥٥). أي لا نطلب صحبتهم ولا نجازيهم بالباطل على باطلهم فإن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب ويقولون : تبا لكم تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم. (إِنَّكَ) يا أشرف الخلق (لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٥٦).
قال الزجاج : أجمع المسلمون على أن هذه الآية نزلت في أبي طالب ، وذلك أن أبا طالب قال عند قرب موته : يا معشر بني عبد مناف أطيعوا محمدا وصدقوه ، تفلحوا ، وترشدوا فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : يا عم تأمرهم بالنصح لأنفسهم وتدعها لنفسك! قال : فما تريد يا ابن أخي؟ قال : أريد منك كلمة واحدة فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا أن تقول : لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله تعالى. قال : يا ابن أخي قد علمت أنك صادق ولكن أكره أن يقال جزع : عند الموت ولولا أن يكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة ومسبة بعدي لقلتها ولأقررت بها عينك عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصحك ، ولكني سوف أموت على ملة الأشياخ عبد المطلب ، وهاشم ، وعبد مناف ، ثم مات اه. وهذه الآية لا دلالة في ظاهرها على كفر أبي طالب ، لأن الله هو الذي هداه بعد أن أيس منه النبي صلىاللهعليهوسلم. أما الأحاديث الدالة على عذابه ودخوله النار ، فهو إما لترك النطق بالشهادتين أو لغيره ، وذلك إن لم يعتد بما نطق به من الشهادة ، فالعذاب يكون لترك النطق بالشهادة وإن اعتد به فالعذاب يكون في مقابلة ترك فرض آخر ومما يدل على أنه آمن برسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قد وصى قريشا عند موته باتباع رسول الله. وقال : والله لقد دانت له العرب والعجم فلا يسبقنكم إليه سائر العرب فيكونوا أسعد به منكم ، فعلى هذا قد حصل منه التصديق بقلبه. وعن عبد الله بن ثعلب العذري أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره فاتبعوه وأعينوه ترشدوا ، وأنه قال : ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا رسولا كموسى صح ذلك في الكتب ، وأنه قال عند قرب موته مخاطبا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم :
ولقد صدقت وكنت قبل أمينا |
|
و دعوتني وعلمت أنك صادق |
من خير أديان البرية دينا |
|
و دعوتني وعلمت أنك صادق |
لوجدتني سمحاً بذاك مبينا |
|
لولا الملامة أو حذار مسبة |
واعلم أنه لو ترك شخص النطق بالشهادتين بعد المطالبة لا لإباء عن الإسلام ولا لعناد له ، بل لخوف من ظالم أو من ملامة ، أو مسبة عند من يعظم ذلك ، وقلبه مطمئن بالإيمان فلا يكون كافرا بينه وبين الله ، بل لو تكلم بالكفر والحالة هذه لا يضره.