أي ألم نجعل مكانهم حرما ذا أمن (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي يحمل إليه من كل ناحية ألوان كل شيء من الثمرات.
وقرأ نافع بالتاء الفوقية. (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) فإذا كان حالهم ما ذكر مع كونهم عبدة أصنام ، فكيف يخافون أن نسلط عليهم الكفار إن ضموا إلى حرمة!؟ البيت ، حرمة الإيمان فـ «رزقا» إما مصدر مؤكد لـ «يجبي» أو مفعول له ، أو حال من «ثمرات» بمعنى مرزوق. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧) إنا جعلنا الحرم آمنا وإنا سقنا إليه الرزق من كل جهة (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) أي وكثير من أهل قرية كانت حالهم كحالهم في إدرار الرزق حتى طعنوا بالنعمة في زمن حياتها فأهلكناهم وخربنا ديارهم (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من بعد هلاكهم (إِلَّا قَلِيلاً) أي إلا في زمن قليل يسكنها المسافرون ومارو. الطريق (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) (٥٨) أي المالكين لها بعد هلاك أهلها ، (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى) أي مهلك أهل القرى ، (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) أي في أعظمها (رَسُولاً). فعاد الله أن يبعث الرسل في المدن ، لأن أهل أفطن وغيرهم يتبعهم (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) الدالة على الحق والداعية إليه بالترغيب والترهيب ، وذلك لقطع المعذرة (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (٥٩) أي وما كنا مهلكين لأهل القرى بعد ما بعثنا في أشرافهم رسولا يدعوهم إلى الحق في حال من الأحوال إلا حال كونهم ظالمين بتكذيب رسولنا ، وبالكفر بآياتنا. (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) أي وما أعطيتم يا معشر قريش من أسباب الدنيا كالمال والخدم ، فهو شيء عادته أن ينتفع به ويتزين به أيام حياتكم. وقرئ «فمتاعا الحياة» بنصب الكلمتين على المصدر ، وعلى الظرف أي يتمتعون متاعا في الحياة الدنيا. (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي فمنافع الآخر لمن آمن بالله وبرسوله أعظم وأدوم مما لكم في الدنيا ، فنصيب كل أحد في الآخرة بالقياس إلى منافع الدنيا كلها كالذرة بالقياس إلى البحر فكيف قلتم تركنا الدين لئلا تفوتنا الدنيا. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٦٠) أي ألا تتفكرون فلا تعقلون أن الدنيا فانية والآخرة باقية! (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (٦١)؟ أي أفمن وعدنا وعدا بالجنة فهو مدرك الموعود به من غير شك كمن أعطيناه المال والخدم في الدنيا ، ثم هو يوم القيامة نحضره للعذاب؟
قال محمد بن كعب : نزلت هذه الآية في حمزة وعلي ، وفي أبي جهل. وقال غيره : في حمزة أو عثمان بن عفان وفي أبي جهل. (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) معطوف على يوم القيامة (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٦٢)؟ أي ويوم ينادي الله المشركين فيقول توبيخا لهم : أين الذين عبدتموهم من دوني ، وأثبتم لهم شركة في استحقاق العبادة ، تزعمون أنهم يشفعون لكم ، أين هم لينصروكم من هذا الذي نزل بكم؟! (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي الذين ثبت عليهم مدلول