قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [السجدة : ١٣] (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا).
قال أبو علي : «الذين أغوينا» خبر لاسم الإشارة ، و «أغويناهم» مستأنف. والمعنى : هؤلاء هم الذين أضللناهم فصاروا أتباعا آثروا الكفر على الإيمان ، فضلوا باختيارهم ضلالا مثل ضلالنا باختيارنا وكنا سببا في كفرهم فقبلوا منا وما أكرهناهم عليه (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم ومن عقائدهم وأعمالهم (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) (٦٣) أي ما كانوا يطيعوننا ، وإنما كانوا يطيعون أهواءهم ، (وَقِيلَ) للكفار تبكيتا لهم : (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي استغيثوا بآلهتكم التي عبدتموها في الدنيا لتنصركم وتدفع عنكم (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي فاستغاثوا بهم فلم يجيبوهم ولا انتفعوا بهم (وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) (٦٤) أي أبصر المشركون العذاب لو أنهم يبصرون شيئا ، فإنهم لما خاطبهم الله تعالى بقوله : (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) اشتد الخوف عليهم حتى يصيروا بحيث لا يبصرون شيئا. أو المعنى : لما قيل : (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) دعوا الأصنام مرارا كثيرة حتى كان الأصنام يشاهدون العذاب لو كانوا من الأحياء المهتدين. أو المعنى : وعلم الكفار حقيقة هذا العذاب في الدنيا لو كانوا يهتدون.
قال الرازي : وهذه الوجوه عندي خير من الوجوه المبنية على أن جواب «لو» محذوف. (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) عطف ما قبله سئلوا أولا : عن إشراكهم. وثانيا : عن جوابهم للرسل الذين نهوهم عن ذلك (فَيَقُولُ) الله تعالى : (ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (٦٥) إليكم بما دعوكم (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ) أي فخفيت عليهم الأخبار يوم إذ سئلوا عن ذلك (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) (٦٦) أي لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب النافع ، لأنهم يتساوون جميعا في العجز عن الجواب المنجي لفرط الدهشة ، فلا نطق ولا عقل. (فَأَمَّا مَنْ تابَ) من الشرك (وَآمَنَ) بما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم (وَعَمِلَ صالِحاً) أي خالصا فيما بينه وبين الله (فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) (٦٧) أي فليطمع في الفلاح والنجاة من العذاب (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أن يخلقه (وَيَخْتارُ) ما يشاء اختياره. (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي ليس لهم الاختيار المؤثر عنهم ، وليس لهم أن يختاروا على الله أن يفعل.
قال العلماء : لا ينبغي لأحد أن يقوم على أمر من أمور الدنيا إلا حتى يسأل الله تعالى الخيرة في ذلك بأن يصلي صلاة الاستخارة بالكيفية المشهورة ، وأهل الرضا حطوا الرحال بين يدي ربهم ، وسلموا الأمور إليه بصفاء التفويض ، فلا يرضيهم ، إلا ما يرضيه ولا يريدون إلا ما يريده ، فيمضيه ، وروي أن هذه الآية نزلت في شأن الوليد بن المغيرة حين قال : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ويقصد بذلك الوليد بن المغيرة ، أو أبا مسعود الثقفي ، فأجاب الله تعالى عنه بقوله تعالى : (وَرَبُّكَ) إلخ ، والمعنى : لا يبعث الله تعالى الرسل باختيار