كان يسمى المنور ولحسن صورته وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة ، إلا أنه نافق كما نافق السامري (فَبَغى عَلَيْهِمْ) ، أي طلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره ، كما قاله القفال ، وقال ابن عباس : تكبر عليهم اه ـ ، ثم حسد موسى على رسالته ، وهارون على إمامته في الذبح فكفر بعد ما آمن بهما بسبب كثرة ماله.
ويروى أن موسى عليهالسلام لما قطع البحر جعل الحبورة والقربان لهارون فقال قارون : يا موسى لك الرسالة ، ولهارون الحبورة ـ وهي إمامة الذبح ـ ولست في شيء ولا أصبر أنا على هذا. فقال موسى عليهالسلام : والله ما صنعت ذلك لهارون ، ولكن جعله الله له. فقال : لا والله لا أصدقك أبدا حتى تأتيني بآية أعرف بها أن الله جعل ذلك لهارون فأمر موسى عليهالسلام بني إسرائيل أن يجيء كل رجل منهم بعصا ، فجاءوا بها ، فحزمها موسى ، فألقاها في قبة له ، فباتوا يحرسون عصيهم ، فأصبحت عصا هارون تهتز لها ورق أخضر ، وكانت من شجر اللوز ، فقال موسى : يا قارون أما ترى ما صنع الله لهارون. فقال قارون : والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر. فاعتزل قارون ومعه ناس كثير من أتباعه من بني إسرائيل ، فما كان يأتي موسى عليهالسلام ولا يجالسه (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) أي وأعطينا قارون من الأموال المدخرة الذي أن مفاتيح صناديقه لتثقل الجماعة الكثيرة الأقوياء وأخرج الدينوري عن خيثمة قال : قرأت في الإنجيل أن مفاتيح كنوز قارون وقر ستين بغلا كل مفتاح منها على قدر إصبع ، لكل مفتاح منها كنز (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) أي المؤمنون من بني إسرائيل (لا تَفْرَحْ) بكثرة المال فالفرح بالدنيا من حيث إنها دنيا مذموم مطلقا. (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (٧٦) بزخارف الدنيا (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) أي اطلب ثواب الله تعالى بسبب المال بأن تصرفه إلى ما يؤديك إلى الجنة كصدقة وصلة رحم ، وإطعام جائع ، وكسوة عار ونفقة على محتاج (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) أي لا تترك العمل في الدنيا للآخرة ، وخذ ما تحتاجه من الدنيا وأخرج الباقي كما في الحديث : «اغتنم خمسا : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك» (١). (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) أي وأحسن إلى عباد الله تعالى إحسانا كإحسان الله تعالى إليك فيما أنعم إليك ، فيدخل في الإحسان الإعانة بالمال والجاه ، وطلاقة الوجه وحسن اللقاء وحسن الذكر. (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) أي لا تطلب الفساد بعمل المعاصي في الأرض (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (٧٧) أي أنه تعالى يعاقب المفسدين بسوء أفعالهم. (قالَ) قارون مجيبا لناصحه : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) أي أنما أعطيت هذا المال حال كوني متصفا بالعلم الذي عندي ، وفضلت به على الناس
__________________
(١) رواه البيهقي في السنن الكبرى (١٠ : ١٦٣) ، والسيوطي في الدر المنثور (٥ : ١٤٧).