صارف للمؤمنين عن الكفر (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) وهو فتح مكة وغنيمتها (لَيَقُولُنَ) أي عياش وأصحابه ، (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) أي في الإيمان وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا فأشركونا في الغنيمة ، لأننا على دينكم قال تعالى تكذيبا لهم في قولهم : أنا على دينكم. (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) (١٠) من الإخلاص في الإيمان والنفاق فيه ، ثم أسلم عياش وأصحابه بعد ذلك وحسن إسلامهم (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بالإخلاص ، فثبتوا على الإسلام عند البلاء (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) (١١) بترك الإيمان عند البلاء ، أي ليجزينهم بما لهم من الإيمان والنفاق. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ـ وهو الوليد ابن المغيرة ، وأبو جهل وأصحابهما ـ (لِلَّذِينَ آمَنُوا) ـ كعلي وسلمان وأصحابهما ـ : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) أي ديننا في عبادة الأوثان (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) أي ذنوبكم عنكم يوم القيامة.
وقرأ الحسن وعيسى بكسر لام الأمر ، وهو لغة الحجاز وليس هذا أمرا في الحقيقة وردّ الله عليهم بقوله : (وَما هُمْ) أي الكفار (بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ) أي من ذنوب المؤمنين (مِنْ شَيْءٍ) يوم القيامة (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١٢) في مقالتهم (وَلَيَحْمِلُنَ) أي الكفرة (أَثْقالَهُمْ) أي أوزار ما اقترفته أنفسهم كاملة ، (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) أي وأوزار الذين يضلونهم مع أوزارهم ، (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (١٣) في قولهم ولنحمل خطاياكم فإنه صادر من اعتقادهم أن لا خطيئة في الكفر ، ومن اعتقادهم أن لا حشر ، ويقال لهم : أما قلتم أن لا حشر؟ ويقال لهم : احملوا خطاياهم فلا يحملون فيسألون. ويقال لهم : لم افتريتم؟ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) يدعوهم إلى التوحيد فلم يجيبوه.
قال ابن عباس : كما عمر نوح عليهالسلام ألفا وخمسين سنة بعث على رأس أربعين سنة ، ولبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) أي الماء الكثير المحيط بهم والمرتفع على أعلى جبل أربعين ذراعا ، (وَهُمْ ظالِمُونَ) (١٤) أي والحال أنهم مصرون على كفرهم. (فَأَنْجَيْناهُ) أي نوحا (وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) أي ومن ركب في السفينة معه عليهالسلام ، من أولاده وأتباعه ـ وكانوا ثمانين ـ (وَجَعَلْناها) أي السفينة (آيَةً لِلْعالَمِينَ) (١٥) أي علامة دالة على قدرة الله تعالى وعلمه ، ووحدته ليتعظوا بها ؛ وذلك أن السفينة اتخذت قبل ظهور الماء ولولا إعلام الله نوحا بذلك لما اشتغل بها ، فلا تحصل لهم النجاة ، وأن الله أمر نوحا بأخذ قوم معه وأقواتهم ، ثم إن الماء غيض قبل نفاد الزاد ، ولولا ذلك لما حصل لهم النجاة.
قال أبو السعود : عاش نوح بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفا ومائتين وأربعين سنة (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) أي وأرسلناه حين تكامل عقله وترقى من رتبة الكمال إلى درجة التكميل حيث تصدى لإرشاد الخلق إلى طريق الحق (اعْبُدُوا اللهَ) وحده (وَاتَّقُوهُ) أن