المسائل وإقامة البرهان عليه. (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي ألم ينظر هؤلاء القوم ولم يعلموا علما جاريا مجرى الرؤية في الظهور؟ (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) أي يخلقهم ، ولم يكونوا شيئا مذكورا ، ويخلقهم من نطفة من غذاء هو ماء وتراب وهذا القدر كاف في حصول العلم بإمكان الإعادة ، فإن الإعادة ، مثل البدء (ثُمَّ يُعِيدُهُ)؟ أي الخلق كما بدأهم (إِنَّ ذلِكَ) أي الإعادة (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١٩) إذ لا يفتقر فعله تعالى إلى شيء أصلا (قُلْ) يا إبراهيم لقومك : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي سيّروا فكركم في الأرض ، وأجيلوا ذهنكم في الحوادث الخارجة عن أنفسكم ، (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) أي فانظروا إلى الأشياء المخلوقة ليحصل لكم علم بأن الله بدأ خلقا ، (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) بعد النشأة الأولى التي شاهدتموها (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٠) ، فإن من علم قدرته تعالى على جميع الأشياء لا يتصور أن يتردد في وقوع الإعادة بعد ما أخبر الله به ، (يُعَذِّبُ) بعد النشأة الآخرة (مَنْ يَشاءُ) أن يعذبه وهم المنكرون لها ، (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) أن يرحمه وهم المصدقون بها (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) (٢١) ، أي فإن تأخر عنكم ذلك فلا تظنوا أنه فات إليه تعالى إيابكم وعليه حسابكم ، وعنده يدخر ثوابكم وعقابكم ، (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) بممتنعين منه تعالى أي لو صعدتم إلى محل السماك في السماء أو هبطتم إلى موضع السموك في الماء لا تخرجون من قبضة قدرة الله.
وهذا خطاب لقوم فيهم النمروذ الذي حاول الصعود إلى السماء (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) أي قريب ينفعكم ، (وَلا نَصِيرٍ) (٢٢) أي مانع يمنعكم من عذاب الله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي بدلائله التكوينية والتنزيلية الدالة على ذاته ، وصفاته ، وأفعاله (وَلِقائِهِ) أي بالبعث بعد الموت ، (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٣). وذلك لأن الله تعالى في كل شيء آية دالة على وحدانيته ، فإذا أشرك أحد كفر بآيات الله ، وإذا أنكر الحشر كفر بلقاء الله وأخرج نفسه عن محل رحمة الله ، وإذا جعل له آلهة لم يقر بالحاجة إلى طريق متعين فييأس من رحمة الله ، ولما أنكر الحشر وقال : لا عذاب عذبه الله تحقيقا للأمر عليه فعدم الرحمة يناسب الإشراك ، والعذاب الأليم يناسب إنكار الحشر (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) ، أي قال بعضهم لبعض : لا تجيبوا إبراهيم عن براهينه الدالة على التوحيد والنبوة والحشر ، واقتلوه بسيف أو نحوه فتستريحوا منه عاجلا ، أو حرقوه بالنار ، فإما أن يرجع إلى دينكم إذا أوجعته النار ، وإما أن يموت بها إذا أصرّ على دينه ، فقذفوه في النار (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) أي بجعلها بردا.
روي أنه في ذلك اليوم لم ينتفع أحد بنار (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٤) أي في إنجاء الله تعالى إبراهيم من النار لعبرات لقوم يصدقون بقدرة الله ، فإن الله حفظ إبراهيم من حرها ، وجعلها خامدة في زمان يسير فلا تؤذيه ، ولكن أحرقت وثاقه ، وأنشأ في وسطها بستانا. (وَقالَ)