انزعاج العنكبوت ، فإنه إذا داوم في زاوية لا يخرج منها ، فإذا نسج على نفسه بيتا يتبعه صاحب الملك بتنظيف البيت منه ، ويمسحه بالمسوح الخشنة المؤذية لجسم العنكبوت ، فكذلك العابد ينبغي أن يستحق الثواب بسبب العبادة أو لا يستحق العذاب به ، والكافر يستحق العذاب بسبب عبادته ، وأن بيت العنكبوت إذا هبت ريح لا يرى منه عين ولا أثر بل يصير هباء منثورا ، فكذلك أعمالهم للأوثان. وهذا إشارة إلى إبطال الشرك الخفي أيضا فإن من عبد الله رياء فقد اتخذ وليا غير الله فمثله مثل العنكبوت تتخذ نسجها بيتا فلا يقيها من حر ولا برد ، (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٤١) شيئا من الأشياء لجزموا أن مثلهم كمثل العنكبوت وأن أضعف ما يعتمد به في الدين دينهم. (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) أي إن الله يعلم الذين يعبدونهم من غير الله من شيء : صنم ، أو إنسي ، أو جني ، (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤٢) أي وهو قادر على إهلاكهم لكنه حكيم يمهلهم ليكون الهلاك عن بينة.
وقرأ عاصم وأبو عمرو «يدعون» بالتحتية. والباقون بالفوقية. (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) أي نبينها لهم تقريبا لما بعد من أفهامهم ، (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (٤٣) أي وما يفهم صحتها وفائدتها إلا المتدبرون في الأشياء على ما ينبغي (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي متقنا مراعيا للمصالح (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في خلقهما (لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٤٤) أي لدلالة للمؤمنين على شؤونه تعالى ، واختص المؤمنون بالذكر ، لأنهم المنتفعون بتلك الآية (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) تقربا إلى الله تعالى بقراءته وتذكيرا للناس وحملا لهم على العمل بما فيه من الأحكام ، ومحاسن الآداب ، ومكارم الأخلاق. (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أي دوام على إقامتها (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) ، أي تنهى عن التعطيل والإشراك ، فالتعطيل هو إنكار وجود الله والإشراك إثبات ألوهية لغير الله. فالعبد أول ما يشرع في الصلاة يقول : الله أكبر. فبقوله : الله ، ينفي التعطيل. وبقوله : أكبر ، ينفي التشريك. لأن الشرك لا يكون أكبر من الشريك الآخر فيما فيه الاشتراك فإذا قال : (بِسْمِ اللهِ) [الفاتحة : ١] ، نفى التعطيل ، وإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة : ١] ، لأن الحرمن من يعطي الوجود بالخلق ، والرحيم من يعطي البقاء بالرزق ، فإذا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ٢] أثبت خلاف التعطيل ، وإذا قال : رب العالمين أثبت خلاف الإشراك ، فإذا قال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥] نفى التعطيل والإشراك ، وكذا إذا قال : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : ٥] وإذا قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ) [الفاتحة : ٦] نفى التعطيل لأن طالب الصراط له مقصد ، والمعطل لا مقصد له. وإذا قال : (الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦] نفى التعطيل لأن طالب المستقيم هو الأقرب ، والمشرك يعبد الأصنام ، ويظنون أنهم يشفعون لهم وعبادة الله من غير واسطة أقرب وعلى هذا إلى آخر الصلاة ، فإذا قال فيها : أشهد أن لا إله إلا الله فقد نفى الإشراك ، والتعطيل. ومعنى نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر أنها سبب للانتهاء عنهما ، لأنها مناجاة الله