تعالى فلا بد أن تكون مع إقبال تام على طاعته وإعراض كلي عن معاصيه. (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) أي ذكر الله إياكم بالمغفرة والثواب أكبر من ذكركم إياه بالصلاة. وقيل : ذكركم الله بسائر أنواعه أفضل من الطاعات التي ليس فيها ذكر الله. وقيل : المراد بالذكر نفس الصلاة أي وللصلاة أكبر من سائر الطاعات (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) (٤٥) من الذكر ومن سائر الطاعات فيجازيكم به أحسن المجازاة ، (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) أي ولا تخاصموا اليهود والنصارى إلا بالأحسن أي بعدم استخفاف آرائهم ، وبعدم نسبة آبائهم إلى الضلال لأنهم جاءوا بكل حسن غير الاعتراف بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، فإنهم آمنوا بإنزال بالكتب وإرسال الرسل ، وبالحشر ، ففي مقابلة إحسانهم يجادلون بالأحسن إلا الذين أشركوا منهم بإثبات الولد لله وبالقول بثالث ثلاثة ، فتجادلون بالأخشن من تهجين مقالتهم وتبيين جهالتهم كالمشرك الذي جاء بالمنكر من غيرهم. فاللائق أن يجادل بالأخشن ويبالغ في تهجين مذهبه وتوهين شبهه. (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا) من القرآن (وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من التوراة والإنجيل.
روي أنه كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول صلىاللهعليهوسلم : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا : (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) الآية»(١) وفي رواية : «وقولوا : آمنا بالله وبكتبه وبرسله. فإن قالوا باطلا لم تصدقوهم وإن قالوا حقا لم تكذبوهم» (٢). (وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ) لا شريك له في الألوهية ، (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٤٦) أي مطيعون لا لغيره (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي كما أنزلنا سائر الكتب على من تقدمك أنزلنا عليك القرآن (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) وهم الأنبياء (يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالقرآن ، (وَمِنْ هؤُلاءِ) أي من أهل الكتاب ـ كعبد الله بن سلام وأصحابه ـ (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) أي بالقرآن (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) أي بالقرآن الذي ظهرت دلالته على المعاني ، وعلى كونه من عند الله تعالى (إِلَّا الْكافِرُونَ) (٤٧) ـ ككعب بن الأشرف وأصحابه ، وأبي جهل وأصحابه ـ (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) أي وما كنت يا أشرف الخلق تقرأ كتابا قبل إنزالنا القرآن إليك ، ولا تكتب الكتاب بيدك. والأصح أنه صلىاللهعليهوسلم كان لا يحسن الخط والشعر ، ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه ، (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٤٨) أي لو كنت قارئا أو كاتبا لشك اليهود والنصارى ، لأن في كتابهم أنك أمي لا تقرأ ولا تكتب. (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي بل القرآن آيات واضحات ثابتة في قلوب الذين أعطوا العلم بالقرآن ،
__________________
(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٥ : ١٥١) ، والسيوطي في جمع الجوامع (١٠٣٠٧).
(٢) رواه ابن حبان في المجروحين (١ : ٣٣) ، وابن عدي في الكامل في الضعفاء (٣ : ١١٣٣).