فليس مما يشك فيه لكونه محفوظا من غير أن يلتقط من كتاب بحيث لا يقدر على تحريفه بخلاف غيره من الكتب ، فإنه لا يقرأ إلا في المصاحف. والمعنى : إن المؤمنين يقرءون القرآن بالحفظ عن قلب تلقيا منك ، وبعضهم من بعض وأنت تلقيته عن جبريل عن اللوح المحفوظ ، فلم تأخذه من كتاب بطريق تلقيه منه. (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (٤٩) أي المتجاوزون للحدود في الشر من اليهود والنصارى ، والمشركين. (وَقالُوا) أي الظالمون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) أي هلا أنزل على محمد آيات ، مثل ناقة صالح ، وعصا موسى ، ومائدة عيسى عليهمالسلام.
وقرأ نافع وأبو عمر ، وابن عامر ، وحفص «آيات» بالجمع. والباقون بالإفراد (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) ينزلها أو لا ينزلها فلا تتعلق بي (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥٠) أي لست إلا رسولا مخوفا لأهل المعصية بالنار بلغة تعلمونها ، وليس لي عليه تعالى حكم بشيء (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) الدال على نبوتك (يُتْلى عَلَيْهِمْ) في كل زمان ومكان ، فهو معجزة ظاهرة باقية أتم من كل معجزة ، وقد وصل إلى المشرق والمغرب ، وسمعه كل أحد بخلاف قلب العصا ثعبانا فإنه لم يبق لنا منه أثر ، ولم يره من لم يكن في ذلك المكان (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي الكتاب ، (لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥١) أي فإن الكتاب رحمة على العباد ليعلموا بها الصادق ، فإن إظهار المعجزة على يد الصادق رحمة من الله فلو لم يظهر الكتاب لبقي الخلق في ورطة تكذيب الصادق ، أو تصديق الكاذب ، لأنه لو لم تكن هذه المعجزة لزم أن لا يتميز النبي عن المتنبي وبهذا الكتاب يتذكر كل من يكون من المؤمنين ما بقي الزمان (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) بأني رسلوه.
روي أن كعب بن الأشرف وغيره ، قالوا : يا محمد من يشهد لك أنك رسول الله. فنزلت هذه الآية. (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الأمور التي منها شأني وشأنكم (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) ، وهو ما سوى الله ، (وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٥٢) لأنهم ضيعوا الأدلة السمعية الموجبة للإيمان. (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) على طريقة الاستهزاء بقولهم : متى هذا الوعد؟ ونحو ذلك. نزلت هذه الآية في النضر بن الحرث حين قال : فأمطر علينا حجارة من السماء إن كنت من الصادقين. (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) لوقت عذابهم (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) وقت استعجالهم (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) فإتيان العذاب بغتة حكمة ، لأنه لو كان وقته معلوما عندهم لكان كل أحد يعتمد على علمه بوقته فيفجر معتمدا على التوبة قبل الموت ، (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٣) بإتيانه ، ويظنون أنه لا يأتيهم أصلا. (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٥٤) ، أي يستعجلونك بالعذاب في الدنيا ، والحال أن العذاب سيحيط بهم يوم يأتيهم ، (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أي يوم يلحقهم العذاب من جميع جهاتهم ، فنار جهنم تنزل من فوق