ولا تنطفئ بالدوس عليها بوضع القدم (وَيَقُولُ) ـ قرأ نافع والكوفيون بالياء ـ أي الله تعالى أو بعض ملائكته بأمره ، والباقون بالنون : (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٥) أي ذوقوا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا. قال تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (٥٦) أي إن تعذرت العبادة عليكم في بعض الأرض فهاجروا ولا تتركوا عبادتي بحال.
وقرأ بفتح الياء ابن عامر والباقون بتسكينها ، (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٥٧) أي كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت ، فراجعة إلى حكمنا وجزائنا بحسب أعمالها لما أمر الله تعالى المؤمنين بالمهاجرة صعب عليهم ترك الأوطان ومفارقة الأخوان فقال لهم : إن ما تكرهون لا بد من وقوعه ، فإن كل نفس ذائقة مشاق الموت ، والموت مفرق الأحباب ، فالأولى أن يكون ذلك في سبيل الله ، فيجازيكم عليه ، فلا تخافوا من بعد الوطن ، أو المعنى : إذا تعلقتم بي فموتكم رجوع إلي وليس بموت كما قال صلىاللهعليهوسلم : «المؤمنون لا يموتون بل ينقلون من دار إلى دار». وقرأ أبو بكر بالياء التحتية (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الطاعات (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) أي لننزلنهم بيوتا عالية من الجنة.
وقرأ حمزة والكسائي «لنثوينهم» بالمثلثة ، أي لنقيمنهم في علال من الجنة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي ففي موضع الأنهار بساتين كبار ، وزروع ، ورياض ، وأزهار فيشرفون عليها من تلك العلالي. (خالِدِينَ فِيها) أي في الغرف (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٥٨) أي نعم أجر العاملين الأعمال الصالحة ، هذا الأجر (الَّذِينَ صَبَرُوا) على شدائد المهاجرة ، وعلى أمر الله والمرازي (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٥٩) أي الذين لم يتوكلوا فيما يأتون ويذرون إلا على الله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) أي وكثيرا من الدواب لا تطيق حمل رزقها لضعفها ، ولا تدخر شيئا لساعة أخرى.
روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما أمر المؤمنين الذين كانوا بمكة بالمهاجرة إلى المدينة قالوا : كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة؟ فنزلت هذه الآية (اللهُ يَرْزُقُها) أي الدابة على ضعفها ، وهي لا تدخر (وَإِيَّاكُمْ) مع قوتكم ، لأن رزق الكل بأسباب هو تعالى وحده المسبب لها فلا تخافوا الفقر بالمهاجرة (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦٠) فيسمع قولكم هذا ، ويعلم ضمائركم وحاجتكم ، ويسمع إذا طلبتم الرزق ، ويعلم مقدار حاجتكم إذا سكتم ، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي أهل مكة (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) على هذا النظام (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لإصلاح الأقوات ، ومعرفة الأوقات وغير ذلك من المنافع؟ (لَيَقُولُنَّ اللهُ) إذ لا سبيل لهم إلى إنكار ذلك (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٦١) أي فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرده تعالى في الإلهية مع إقرارهم بتفرده تعالى في الخلق والتسخير. (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) أي الله يوسع المال ويقتر على من يشاء في أي وقت يوافق الحكمة ، فيفعل كلا من البسط والتضييق في وقته ومحله. (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٦٢)